هدأ تمام سلام نسبيًا لكن ليس بعد. فالجرعة التي بثّها فيه نصف الحلّ للنفايات أو قلْ ربع الحلّ نفد قبل أن تطأ قدماه عتبة السراي في موعد الجلسة المفترض اليوم. النفايات على حالها وإن رُفِعت لا تجد مصبّها، والآلية على حالها وإن عُقِدت من أجلها جلسة لا تجد تخريجة... كلُّ السبل تبدو مسدودة إلا أمام فرضيّتين أحلاهما مرّ: إما استقالة سلام وإما استقالة الصلاحيات من البروتوكولية الحادة.

قبل أن يرده الخبر-الصفعة عن تهديد شركات طيران بتعليق رحلاتها في حال استمرّ جمع النفايات على سور المطار، وقبل أن تخرج اللجنة الوزارية بتأكيد المؤكد الذي كان من المفترض أن يُعمَل به منذ أشهر لا اليوم عبر إيجاد مطمر بديل على وقع استمرار رفع النفايات، كان سلام يضع على الورق سيناريوهات عدة يمكن أن تكون بطلة جلسته اليوم. لم يجرؤ الرجل على الهمس في آذان مقرّبيه بأن النفايات قد تُطرَح في جلسة الغد لسببين: أولاً لأن همسًا مماثلاً من شأنه أن يطيح الجلسة حكمًا خصوصًا أن التيار الوطني الحرّ يشترط حصر البحث في الآلية للحضور، وثانيًا لأن الثلج ذاب والمرج بان ورفِعت الستارة قبل النفايات عن مسرحيّة “الدور الحكومي” في حلّ أزمة النفايات، ليذكّر بعضهم بالحلول المتخذة منذ سنة والتي كان في استطاعة وزير البيئة بصفته الشخصية أن يمضي فيها بلا إجماع حكومي. أما وقد تجاوز سلام كلّ ما يثير حفيظة الوزراء المعترضين الذين يتهمهم بالشلل، فإنه أوحى بصمود جلسة اليوم بعد إرجائها من الثلثاء، على لسان وزير البيئة الذي أكد المضي في اجتماعات اللجنة وعقد اجتماع مصغّر عقب الجلسة الحكومية.

بري... تحت الطاولة

تجاوز سلام إذاً القطوع الأول الكامن في البنود المطروحة. لا نفايات من خارج الجلسة بل خارج السراي نفسه الذي سيشهد هو الآخر حملةً من قبيل “فلْ” اللحوديّة الشهيرة. حملة سبقها دعمٌ خارجي وداخلي آخر مصادره مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان مؤكدًا تضامنه مع سلام ضدّ الحملة الشعواء التي تُشنّ ضدّه. أما الرئيس نبيه برّي، فتؤكد مصادر حكومية مقرّبة من سلام لـ “​صدى البلد​” أنه “لا ينفكّ يتّصل بالرجل لمساندته، كما أنه يدعمه بشكل قد يجده بعضهم غير صريح ولكنه في الحقيقة شديد الصراحة، ومردّ ذلك لا الى “سواد عيني” سلام بل لأن برّي رجل دولة ويعلم خطورة تداعيات كل ما يُمارس على سلام من ضغوطٍ في هذه الظروف الحسّاسة التي لا تحتمل خطوةً ناقصة من قبيل الاستقالة من شأنها أن ترمي البلاد في المجهول”.

مخطط “وسِخ”

ليس هذا الرأي مقبولاً في نظر البرتقاليين ولا هو يلقى رواجًا في أوساطهم بعدما غدت الصورة واضحة بالنسبة اليهم رئاسة وكوادر وقاعدة: “مخطّط النفايات الذي أريدت منه إطاحة البحث في الآلية سيسقط في نهاية المطاف”. يعرف العونيون أن لعبة الوقت ليست في صالحهم وأن اقتراب موعد استحقاق التعيينات يغدر بهم، لا بل هم على ثقةٍ من أن كلّ ما يحدث اليوم من إثارة ملفّ النفايات الذي كان يجب أن يكون محلولاً منذ أشهر إنما يصبّ في خانةٍ واحدة: “تسويف الملفات الحكومية الرئيسية كالآلية والتعيينات والتعمية عليها لإحراج التيار بملفاتٍ معيشيّة أهمّ من الحقوق التي يطالب بها”. بالركون الى نظريّة الرابية، أيًا تكن صوابيتها من عدمها، يمكن القول إن هذا المخطط متى لم يكن قابعًا في مخيلات العونيين وحدهم، أفلح فعلاً بإشاحة الأنظار عن تظاهرة التيار الأخيرة وتلك التي ستلي للمطالبة بحقوق المسيحيين لصالح تظاهراتٍ من نوع آخر تطالب بأبسط حقوق اللبنانيين عمومًا بأن يعيشوا في منزل وشارعٍ وحيّ ومنطقة وبلدٍ لا تغمرها النفايات. كان على اللبنانيين أن يتناسوا الآلية وخلافات المجلس “السخيفة” عمليًا أمام كارثةٍ من هذا النوع. نجح المخطط لكن الى متى؟

نقطة مقنعة

دائمًا من دون حسم صدقيّة هذا المخطط الذي يبقى حكرًا على تحليلات الرابية التي قد تصيب تمامًا كما قد تخيب، وإن كان المنطق الذي يلامس حقيقة حشر سلام في زاوية الآلية في أكثر من مناسبة وحاجته الى تسويغاتٍ قويّة جدًا للتنصّل منه، يمنح التيار نقطة مقنعة في نظر قواعده كما بعض التائهين الحائرين في نفاياتهم قبل حقوقهم. بالنسبة الى الرابية لا يمكن لهذه المعمعة أن تطول حتى ولو طال مكوث النفايات في شوارع اللبنانيين بعدما تبيّن أن الحكومة ليست في حاجة الى طرح الملف ضمن جدول أعمالها بل في إطار تنسيق الوزارات المعنية أو في أحسن الأحوال عبر لجانٍ مصغّرة كتلك التي تعمل اليوم. سيناريو الاستدراك ذاك لن يتحقق بسهولةٍ خصوصًا بعدما علمت “البلد” أن “جلسة اليوم قد تبدو أشبه بجلسة نقاهةٍ لمريض خرج لتوّه من جراحةٍ خطيرة، وبالتالي عليه أن يخبر من حوله بما حصل معه وأن يرتاح قليلاً قبل استعادة نشاطه. هكذا قد تبدو جلسة اليوم، “بايخة” ولزوم ما لا يلزم، بعد أن يتبيّن لحاضريها أن هدفها “قذف” البحث في الآلية مجددًا والاكتفاء بما سيبدو للجمهور أكثر أهمية ومفاده: ضبط الشوارع.

شكلٌ وردي

حتى ساعات ليل أمس لم تكن الأجواء المحيطة بسيناريوهات جلسة اليوم مطمئنة ولا حتى مبشّرة. لا كلام يقوله الوزراء سوى أنهم حريصون على عمل الحكومة مع إرفاق حرصهم بشبه وعودٍ بأن يكون أداؤهم هادئًا وحكيمًا. الشكل إذاً قد يكون ورديًا أما المضمون فلن يكون سوى غليان نفوس حاقنة. ولعلّ ما سيزيد الطين بلّة لدى وزراء الرابية في هذه الجلسة بالذات، عدا عن تمييع البحث في الآلية والصلاحيات والتعيينات، إنما يكمن في “وجعة رأس” جديدة هي أشبه “بلهوةٍ” إضافية رمت اللجنة المصغرة لبحث أزمة النفايات فتيلها ليلاً بطرح اعتماد مطامر في بلاد كسروان وجبيل. وتتوقع مصادر حكوميّة في هذا المجال لـ”صدى البلد” أن “يشكّل هذا الطرح متى كان جديًا شعرةً كفيلة بقصم ظهر البعير، خصوصًا أن الحكومة تقف على “الشوار” وبالتالي أيّ طرح مستفزّ للتيار أو للكتائب على السواء في ملف النفايات يمكن أن يدمّر الهيكل على رؤوس من فيه”. أما في حال تجاوز ملف النفايات، وهو ما لم يعد ممكنًا بعدما نبتت معضلة مطامر كسروان وجبيل الفرضية التي بدأ المشنوق يتخيلها أمام عينيه على أنها النهاية السعيدة لمشواره المرّ مع النفايات، فإن الرابية تبدو متماسكة في موقفها ولو أنها قد تخرج من عنادها ذاك “شيح بريح”، وهي لن تحرّك في خلاصة المشاورات والاتصالات التي تكثفت منذ الثلثاء قيد أنملة في حراكها الهادف الى تحصيل حقوق المسيحيين وذلك يبدأ في نظرها بتصحيح ثغرات عمل الحكومة وسلوكيات رئيسها بتوضيح الآلية وعدم تجاوز الحدود والتصرّف كأن غياب الرئيس وعدمه سيّان”.

حائطٌ مسدود؟

قد يليق عنوان “الحائط المسدود” بجلسة اليوم، وهو الذي يبقى هاجسًا كبيرًا لا يفارق سلام والوزراء المتوجّسين من تعقيداتٍ قد تدفع الجميع الى إيثار خيار فرط عقد الحكومة على استمرارها على هذا المنوال. كلُّ الاتصالات تصبّ في خانة تلافي الوصول الى هذه المرحلة، ومع ذلك قد يأخذ بعضهم على أنفسهم التظاهر بأن كيس نفايات أسقطهم على أن يعترفوا بأن آليةً “محقّة” أطاحتهم... بلا أحكامٍ مسبقة يدخل وزراء المصلحة الوطنية اليوم، لن يكونوا صفحة بيضاءً في مشهديةٍ ملوّنة بنفاياتها، ولن يحتملوا ادّعاء اللطافة والممازحة والحبّ السرمدي القاهر لكل الظروف، لكنهم سيحاولون عدم الغصّ في الساقية بعدما شرب منهم البحر... وما زال.