- شهدت ويتوقع أن تشهد جبهات سورية شمالاً وجنوباً تسخيناً بدأت ملامحه مع الغارات التي تشنها كلّ من الطائرات التابعة لحكومتي السلطنة والاحتلال على أهداف داخل الأراضي السورية بعنوان واحد، «أمننا القومي مهدّد من داخل الحدود السورية، ولن نقف مكتوفي الأيدي»، وبينما تربط حكومة رجب أردوغان وداود أوغلو التهديد بكلّ من «داعش» والأكراد، تربط «إسرائيل» التهديد بحزب الله، وتريد الغارات نظرياً إبعاد التهديد. والسؤال البديهي هو لكلّ منهما: هل الغارات ستتكفل بإبعاد هذا التهديد؟

- الحكومة التركية تعلن أنها لن تقوم بعمل بري داخل الأراضي السورية، وهي تعلم أنّ التحوّل النوعي في مسار التوازنات في وجه كلّ من الأكراد و«داعش» لا يتحقق إلا بالعمل البري. و«إسرائيل» أعلنت بعد عملية مزارع شبعا أنها ستستوعب الصدمة على رغم قساوتها منعاً للتصعيد، بالتالي عدم جاهزيتها الموضوعية وليس الظرفية وعدم رغبتها بناء على ذلك وليس بناء على الحاجة، لدخول حالة حرب، بينما الحاجة التركية والحاجة «الإسرائيلية» هي دخول حالة حرب. حاجة تركيا الآن لدخول حرب لفرض دورها في الحرب على الإرهاب الذي يغني الأميركي عن الاستدارة نحو الدولة السورية وجيشها كشريك حتمي في هذه الحرب التي باتت بوليصة تأمين الحزب الديمقراطي الحاكم للفوز في الانتخابات الرئاسية، والانفتاح الأميركي على الدولة السورية أمر تعتبر حكومة أردوغان وأوغلو أنها أول الخاسرين منه. ومثلها كانت «إسرائيل» بعد عملية مزارع شبعا النوعية لتثبيت ميزان الردع تحتاج دخول حرب تصل إلى مواجهة مع إيران تقول عبرها إنه بالمستطاع تغيير موازين القوى، بالتالي تغيير قواعد التفاوض على الملف النووي الإيراني، بينما الآن فقد فات أوان الحرب التي تغيّر في التفاهم النووي، ومثلما حال ميزان القوى دون دخول «إسرائيل» الحرب يومها يحول ميزان القوى دون الدخول التركي في حالة حرب اليوم، ويبدو فوق ذلك رفض المجتمع التركي تحمّل تبعات مواجهة ستستفز الدولة السورية وتدفعها لردود سيادية، سرعان ما تتصاعد حدتها ويرتفع منسوبها لتصير تبادل القصف الصاروخي على العمقين السوري والتركي، وتتحوّل الحرب إلى مواجهة إقليمية بعد انتهاء زمن الحرب الكبرى التي كان يرغب بها حلفاء واشنطن، وهي حربها مع إيران، ليصير المشهد الناجم عن الحرب الحدودية تفاوضاً سورياً تركياً برعاية روسية أميركية إيرانية، بينما تتقدّم تركيا كمكافئ إقليمي لإيران لمفاوضتها وليس لمعاملتها كعراب للحلول.

- إذا لم يكن التسخين التركي و«الإسرائيلي» بداية حالة حرب تغيّر قواعد التوازنات، ولم يكن حماية لمفهوم الأمن بإبعاد الخطر عن الحدود، فماذا عساه يكون؟

- المشهد الدولي والإقليمي يقول إنّ التفاهم النووي مع إيران أغلق خيارات الحروب في رسم الخرائط السياسية والجغرافية من جهة، وفرض اتّباع طريق التسويات للملفات الإقليمية المفتوحة من جهة أخرى، وأنّ من لا يحضر في هذه الملفات بقوة النار فلا مكان له على موائد التفاوض، وما يفعله التركي و«الإسرائيلي» هو حجز مقعد على هذه المائدة.