احد ابرز اوجه التعطيل الذي كان يواجهه الاتفاق النووي الايراني مع الغرب هو رغبة اسرائيلية في تعطيله تارة ورفضه تارة اخرى امام المحافل الدولية، وكان من بين ابرزها خطاب شهير لبنيامين نتنياهو امام الكونغرس الأميركي سبقه خلاف حادّ مع أوباما رتب اثرها زيارة الى واشنطن لم يستطع خلالها لقاء الرئيس الأميركي لأنّ الاخير رفض ذلك.

وكانت اسرائيل قد شنت غارة دقيقة في القنيطرة السورية كادت ان تأخذ المنطقة الى حرب حقيقية أرادت من خلالها تعطيل ايّ تواصل مع ايران او حلفائها، لولا انّ الأميركي اطلق حينها تصريحه المعروف انّ الموقف لا يستدعي حرباً! وذلك بعد ان ردّ حزب الله معلناً جاهزيته.

اوباما الذي كان يعرف سبب زيارة نتنياهو إلى الكونغرس واهدافه ويعرف سبب انزلاق الامور نحو عملية عسكرية بالنوايا «الاسرائيلية» يتورط فيها الأميركي معه، تابع سيره بالعملية السياسية التي كانت قراراً اتخذته إدارته كحلّ أوحد للتوصل الى تفاهم مع ايران بشكل عام، حتى لو كان الملف النووي هو الطاغي كواجهة حدث، ايران التي تعتبر بالنسبة للأميركي اكثر من خيط وقطبة في عدة ملفات وتعنيه مباشرة بالشرق الاوسط، فهي اثبتت بشكل اساس نفوذها الاكبر في العراق التي تعني الأميركي بشكل اساسي فارتأى انّ التوصل لاتفاق حول الازمة النووية هو بداية الطريق.

تعرف «إسرائيل» جيداً انّ الاتفاق النووي مع ايران ليس سوى بداية الطريق نحو عمليات سياسية اخرى ستتابع من اجل حلها، وها هي «إسرائيل» تلمس اليوم هذا الأمر سريعاً، واستطاعت تكوين صورة أولية عن المشهد: فابيوس في ايران، اردوغان يقاتل داعش… اذن الامور تتجه نحو الأسوأ بالنسبة اليها والعلاقات الغربية مع إيران وعلاقات الجوار بدأت تجنح نحو تكوين ارضية مشتركة لملفات استراتيجية متعددة.

«اسرائيل» هي واحدة من بين ثلاث جهات بينها السعودية وتركيا، من المتوقع ان يستعر ردّ فعلها وتتوجه نحو التصعيد واللعب بملفات او خلق ازمات متفرقة تعبيراً عن عدم وضعها لايّ اعتبار لما يجري، وانها ماضية في نفس العقل والاستراتيجية تجاه قضاياها، وها هي اليوم تنفذ غارة على بلدة حضر في ريف القنيطرة جنوب سورية، كما افيد ان طائرة اسرائيلية من دون طيار استهدفت سيارة كانت تقلّ عدداً من العناصر التي تقاتل الى جانب الجيش السوري ضدّ الجماعات المسلحة، فيما اعلن عن استشهاد ثلاثة من عناصر اللجان الشعبية، هذا بالاضافة الى غارة إسرائيلية استهدفت موقعاً للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة شرق لبنان بمنطقة قوسايا.

المعلومات تشير الى انّ الموقع من الجانب اللبناني الذي تمّ استهدافه هو ممر رئيسي للمقاتلين من حزب الله والجيش السوري ويلعب دوراً على خط معارك الزبداني التي وجدت فيها «اسرائيل» نصراً اساسياً للجيش السوري وحزب الله تدخلت من أجل إرسال رسائل متعدّدة بينها التأكيد على اضطلاعها بمجمل ما يجري في تلك المنطقة وربما إعطاء دعم معنوي للمسلحين فيها أمام انهياراتهم الكبرى.

وفي هذا السياق قال مصدر مقرّب من القيادة السورية والمقاومة لـ»البناء»: «إنّ الغارة محاولة إسرائيلية لاستئناف الحرب الاستخبارية وتوجيه الرسائل الأمنية والسياسية أكثر مما هي عمل عسكري يبرّره الهدف وموضوع الغارة والظرف الضاغط على القيادة الاسرائيلية يفرض عليها ان تظهر أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه تحوّلات ستتسبّب لها بالعزلة والاختناق مع العجز عن التأثير في مسارات الأحداث الكبرى في المنطقة، وطالما أنّ الغارة ليست إخلالا بميزان الردع وتغيير في قواعد الاشتباك فهي عمل عدواني يعتقد أنه سيلقى الردّ المناسب، ولكن دون وضعها في مصاف غارة القنيطرة التي ترتبت عليها حال تشبه اندلاع حرب شاملة في المنطقة، واستدعت عملية من عيار نوعي كبير في مزارع شبعا، فالردّ سيأتي حكماً من محور المقاومة، ولكن بحجم ما تمثل الغارة ومن دون منح «إسرائيل» فرصة المشاغبة والتأثير في مجرى الأحداث والدخول كلاعب رئيسي فيها».

العزلة التي تستشعر «اسرائيل» بقدومها هي ابعد ما يكون عن واقعها السابق التي كانت ترى فيه ان أمنها هو محور اساسي في شتى اجتماعات الدول الغربية الكبرى، وان تخطيه هو خط احمر ولا يمكن على الإطلاق المساومة عليه، أما اليوم فهي تعرف ان أمنها لا يزال مسؤولية أميركية، الا انها تعرف انّ موقعها سياسياً ومعنوياً واستراتيجياً أصيب بنكسة كبيرة تسعى من خلال هذه الأزمات المفتعلة الضغط على الغرب عموماً والأميركيين خصوصاً من أجل عدم التفريط او التسارع باتفاقات لا تأخذ في عين الاعتبار المصلحة «الاسرائيلية» في المنطقة تستفيد منها ايران وحلفاؤها خصوصاً حزب الله في شكل كبير.

«اسرائيل» التي تعرف انّ توازن الردع الذي فرضه حزب الله بعملية مزارع شبعا بعد اعتداء القنيطرة أفرز مكامن ضعف كبيرة على قدرتها على اختيار التفرّد بقرار حرب لا يكون الأميركي فيها شريكاً، وهي اليوم تسعى إلى ردّ اعتبارها في وقت خاطئ اصبح التدحرج نحو حرب او مواجهة عسكرية في المنطقة آخر الاحتمالات المفترضة حالياً في ظل تركيز الأميركي على خطط مكافحة «داعش» ومتفرّعاتها وبظلّ اعتبار انّ الاتفاق مع طهران أكبر وهجاً يعكس اتفاقاً سياسياً أمنياً مبطناً.