في خطابه ما قبل الأخير، حذّر الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله من "المجهول" الذي يمكن أن تقود إليه الاستقالة التي يلوّح بها رئيس الحكومة ​تمام سلام​، والتداعيات "الخطيرة جداً" التي يمكن أن تأخذ البلاد والعباد إليها...

وفي البيان الذي أصدرته بعد اجتماعها الدوري، تبنّت كتلة "المستقبل" نفس الخشية من "المجهول"، الذي يقود إليه "الاستمرار في تعطيل عمل الدولة والاصرار على شلّ مؤسساتها"، والحكومة تكاد تكون الصامدة الوحيدة بينها..

ظاهرياً، يبدو أنّ "المجهول" وحّد الفريقين الخصمين، ولكنّ التعمّق في مقاربة كلّ فريقٍ للموضوع يُظهِر العكس تمامًا، طالما أنّ "المجهول" بات هو الآخر أداة في "الصراع"، يسعى كلّ منهما لتوظيفها لصالحه وصالح "أجندته"...

مقامرة بالبلد!

لا تتردّد مصادر في قوى الثامن من آذار بتأكيد صوابية موقف "حزب الله" وأمينه العام إزاء "الطنّة والرنّة" التي أحدثها رئيس الحكومة بتلويحه بالاستقالة أو الاعتكاف، تارة لأنّ "صبره نفد" وتارة لأنّه لم يعد يحتمل أن يكون "شاهد زور" أو "مجرّد ديكور".

برأي هذه المصادر، فإنّ أبسط البسطاء يدرك أنّ استقالة الرجل في هذه المرحلة ستزيد الطين بلّة، وستفاقم الأمور سوءاً، لأنّها لن تعني سوى تعميم الفراغ ليصبح شاملاً على أرض الواقع، وبالتالي ستكون بمثابة مغامرة غير محسوبة النتائج بل مقامرة بالبلد بكلّ ما للكلمة من معنى.

وفيما تقرّ المصادر بأنّ الحكومة وصلت إلى مرحلةٍ من العجز والشلل، وباتت مهدّدة من داخلها قبل الخارج، وهي التي لا تستطيع معالجة قضايا تنطوي على حساسيّة وخطورة عاليتين على غرار أزمة النفايات التي تتخبّط بها البلاد، إلا أنّها ترى أنّ وجودها يشكّل بحدّ ذاته "حصانة حقيقية"، بدليل الاستقرار الأمني الذي لا يضمن أحد صموده بغيابها.

"المستقبل" الخاسر الأكبر!

وإذا كانت هذه المصادر تستغرب كيف أنّ "تيار المستقبل" يدفع، عبر تغطيته سلام، لهذا الفراغ، وهو الذي يتّهم دومًا، وللمفارقة، "حزب الله"، بالتدبير والتخطيط له، فإنّها تشدّد على أنّ "المستقبل" سيكون من أكثر المتضرّرين من أيّ تصعيدٍ من هذا النوع دون أدنى شكّ، فهو لن يخسر حكومة كانت له فيها حصّة دسمة ووازنة فحسب، بل سيضع أيضًا نظامًا لطالما عمل على "تقديسه" على المِحَكّ، لدرجةٍ قد يجد نفسه معها مُكرَهًا على القبول بـ"فزّاعة" المؤتمر التأسيسيّ، الذي لطالما "نقز" منه.

وأبعد من ذلك، تسأل المصادر عن "سيناريوهات" ما بعد الاستقالة، بل "سيناريوهات" الاستقالة نفسها، ولمن سيقدّمها رئيس الحكومة، طالما أنّ رئيس الجمهورية غير موجود، وهل يقدّمها لمجلس الوزراء "مجتمعًا"، وهل يجب أن يقبلها جميع الوزراء وإلا تصبح لاغية، ومن الذي يجري الاستشارات التي يصنّفها الدستور "ملزمة" لتسمية رئيس حكومة جديد، إلى آخره من الاستحقاقات "الغامضة" التي ستفتح باب الاجتهاد وربما الفوضى على مصراعيه.

لنعد لأصل الداء!

كلّ هذه "السيناريوهات" لا تعني شيئاً بالنسبة لمصادر "تيار المستقبل". هي تقرّ بأنّ استقالة رئيس الحكومة ستأخذ البلاد إلى المجهول، لكنّها تسأل: "هل سلام هو المسؤول؟ هل هو الذي يعطّل البلاد والعباد ويشلّ العمل الحكومي، أم أنّ هناك من يفعل ذلك عن سابق تصوّر وتصميم؟ هل هو الذي يفرض الشروط ويمنع انعقاد الحكومة من دونها، وهل هو الذي يرفض التوسّط لدى حلفائه لتسيير الحكومة تحت ذريعة أنّه طرف وليس وسيطاً؟"

برأي المصادر "المستقبليّة"، لا بدّ من العودة إلى "أصل الداء" للقيام بمقاربةٍ واقعيةٍ وحقيقية للأمر، فاستقالة سلام ليست سبب الأزمات التي يتخبّط فيها البلد، خصوصًا أنّ هذه الاستقالة واقعة أصلاً من الناحية العملية، ولا ينقصها سوى توقيع الرجل عليها لتصبح نافذة، وبالتالي فإنّها ليست السبب الحقيقي الذي يدفع نحو المجهول، بقدر ما هو ممارسات الفريق الآخر، الذي لا يزال يتبنّى شعار "أنا أو لا أحد" ويتصرّف على أساسه، من دون أن يكترث لا بالتداعيات ولا بالآثار.

قمصانٌ سود بنسخةٍ جديدة..

لم يغيّر تحذير "حزب الله" من المجهول قناعة "المستقبل" بأنّ الحزب يدفع إليه دفعاً لفرض مخططه لـ"الانقلاب على النظام"، وهو المخطط الذي لم يُخفِه يومًا. وفقاً لمصادره، فإنّ كلّ ممارسات الحزب في الآونة الأخيرة تمهّد لمثل هذا المخطط، "ولو حاضر مسؤولوه بالعفّة ليلاً نهاراً"، على حدّ تعبيرها. هي تلفت إلى أنّ آخر مؤشرات هذا "الانقلاب" تمثّل بالتحركات الليلية "غير العفوية ولا البريئة" التي قامت بها ما يسمّى بـ"سرايا الفتنة"، وفق التوصيف "المستقبليّ"، في إشارة إلى "سرايا المقاومة"، والتي وصلت إلى حدّ رمي النفايات أمام دارة رئيس الحكومة تمام سلام، في منظرٍ معيبٍ ومريبٍ لا يشبه سوى تحرّك "القمصان السود"، الذي سبق "انقلاب" الحزب على حكومة سعد الحريري في مرحلةٍ سابقة.

أكثر من ذلك، تسأل هذه المصادر: "ما محلّ التحذير من المجهول من الإعراب إذا كنت سأشلّ عمل المؤسسات وسأعطّلها وسأمنعها من العمل؟ وأين مصداقية خوفي من هذا المجهول إذا كنت سأحاصر كلّ ما يمكن أن يحصّنني من هذا المجهول؟" برأيها، تكفي للعودة للخطاب ما قبل الأخير للسيد نصرالله للتثبّت من حقيقة أنّ رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون هو مجرّد أداة في مشروع الحزب، وأنّ الأخير هو من يقف وراء حراكه التصعيدي، وهو من يستطيع إنهاءه في لحظةٍ واحدة، ولكن لو أراد ذلك...

لا أمل يُرتجَى..

"حزب الله" و"تيار المستقبل" خائفان من المجهول إذاً، ولكنّهما ماضيان، ومعهما جميع الأفرقاء، باتجاهه بكلّ ثباتٍ وحزمٍ على ما يبدو..

"المستقبل" يتّهم "الحزب" بأنّه من يدفع إلى هذا "المجهول"، وهو الذي "يمون" على العماد عون الذي يشلّ الحكومة، و"الحزب" يتّهم في المقابل "المستقبل" بأنه من يدفع إلى هذا "المجهول"، وهو الذي "يغطّي" سلام بنواياه "الاعتكافيّة"..

في الحالتين، يبدو أنّ المجهول آتٍ عاجلاً أم آجلاً، وعندها لن ينفع الندم لا "المستقبل" ولا "حزب الله" ولا غيرهما!