كما كان متوقَّعاً، استغل الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ الحادثة الإرهابية التي حصلت في منطقة سوروتش - تركيا، لينطلق بسياسة هجومية لطالما حاول اعتمادها منذ بدء الحرب على سورية، بعد أن منعته المحاذير الدولية والإقليمية، وأعاقت قوة الخصم تقدّمه نحو تحقيق حلم اقتطاع منطقة من سورية، لإقامة شريط حدودي على الحدود بين البلدين، يشبه إلى حد بعيد الشريط الذي أقامته "إسرائيل" خلال احتلالها للبنان.

ولعل المسارعة التركية للاستفادة من الحادثة الإرهابية يضفي ظلالاً من الشكّ حول الجهة التي قامت بالعملية الإرهابية، خصوصاً أن المستهدَف بها هم أعداء أردوغان من الأكراد وبعض الناشطين الأتراك المتعاطفين معهم في الداخل التركي. وهكذا نجد أن الأتراك، خصوصاً "حزب العدالة والتنمية" يحاول الاستفادة مما سمّاه "الحملة على الإرهاب"، على عدة صعد، لتعويم نفسه في الداخل وتعويم شعبيته من خلال ما يلي:

1- الهروب إلى الأمام في الأزمة السياسية الداخلية، وذلك من خلال العودة إلى قتال الأكراد، تمهيداً لعزل "حزب الشعوب الديمقراطية الكردي" في الداخل، وتأليب الرأي العام ضده، وهو ما ظهر في خطاب أردوغان الذي دعا إلى رفع الحصانة عن بعض البرلمانيين الأتراك، بحجة "دعمهم للإرهاب"، في إشارة غير مباشرة إلى بعض برلمانيي "حزب الشعوب الديمقراطية". ويهدف أردوغان من هذه الحملة إلى رفع أسهم حزبه، والاستناد إلى تراجع شعبية "حزب الشعوب الديمقراطي" للدعوة إلى انتخابات مبكّرة، يستطيع من خلالها النفاذ من النظام الانتخابي التركي للعودة إلى السلطة بشكل منفرد، وعدم الحاجة إلى عقد ائتلاف حكومي.

2- التعمية على التراجع الاقتصادي الذي تشهده تركيا نتيجة سياسات "حزب العدالة والتنمية" في السنوات الأخيرة، والذي أعطى مؤشرات سلبية، منها ما ورد في تقرير البنك الدولي حول تراجع قيمة الناتج المحلي التركي عام 2014 بنسبة 2.9 %عن نهاية عام 2013، وتراجع معدّل النمو إلى 2.9% خلال عام 2014، وارتفاع مستوى البطالة إلى 11.2% خلال الربع الأول من عام 2015، وارتفاع نسبة التضخم إلى 8.09% خلال شهر أيار 2015، يضاف إلى ذلك تراجع قيمة الليرة التركية إلى 2.73 نسبة للدولار الأميركي في تموز 2015.

3- القضاء على أي حلم كردي بوصل المناطق الكردية في سورية بعضها ببعض، وتشكيل كيان كردي ذي حكم ذاتي، ما يغري أكراد تركيا بمحاولة الانفصال لتأسيس دولة كردستان التاريخية.

4- محاولة إقامة منطقة عازلة أو "آمنة" - كما يسميها الأتراك - في الشمال السوري، لتكون منطلقاً للعمليات العسكرية ضد الجيش السوري، والتي ستعطي أردوغان أرجحية تفاوضية لتحقيق المكاسب في أي حل سياسي يمكن أن يتّجه إليه العالم لحل الأزمة السورية، أو ضمّها إلى تركيا فيما لو طال أمد الحرب على سورية.

لكن، هل هذا يعني أن الفرصة قد حانت لتحقيق هذا الحلم الأردوغاني؟

أمام تحقيق هذا الأمر موانع جوهرية عدّة، أهمها:1- الرفض الأميركي لقيام المناطق العازلة، لما تحتاجه من مقومات عسكرية غير متوفرة.

2- الحلف الأميركي - الكردي الجديد، إذ يُعتبر الأكراد الآن جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأميركية لمكافحة "داعش"

.3- قوة حلفاء سورية، وقدرتهم على الردّ في تركيا فيما لو حاول الأتراك القيام بقصف الجيش السوري.

4- عدم القدرة على فرض حظر طيران جوي، وعدم رغبة "الناتو" في الدخول في هذا المحظور الدولي.

5- يحتاج فرض منطقة آمنة إلى قوات عسكرية برية، بالإضافة إلى حظر الطيران الجوي، وما من قوة عسكرية معارضة على الأرض مؤهَّلة للعب مثل هذا الدور العسكري.في المحصلة، لا تبدو حرب الأتراك على "داعش" سوى "واجهة إعلانية" يريد أردوغان أن يتخفى وراءها لخوض معاركه الحقيقية ضد الأكراد والجيش السوري، فالتحالف مع "داعش" أعطى أردوغان مكاسب حقيقية وهامة، سواء في سورية أو العراق، ويأمل أردوغان من إعلان الحرب على "داعش" بأن يحقق مكاسب إضافية داخلية وخارجية، تتجلى في احتلال جزء من الأراضي السورية، لكن من يضمن ألا ينقلب السحر على الساحر بأن يزجّ الجيش التركي في حرب مثلثة الأضلاع، ويقاتل على جبهات ثلاث: "داعش"، والأكراد، والجيش السوري؟