أين أصبحنا؟

وباللغة المحكية نقول:

وين صرنا؟

كلمتان يطرحهما اللبناني صباح كل يوم، وحتى قبل النوم، في محاولةٍ منه لاستكشاف واقع البلد والحكومة والإدارة والنفايات والكهرباء والمياه والرواتب والأقساط وسلسلة الرتب والرواتب وعجز الموازنة والأمن الفالت والمتفلِّت في بعض الأحيان.

كلُّ يومٍ يتكرَّر السؤال، ولا أحد يملك الجواب:

في النفايات، كنَّا في مطمر فأصبحنا في مراكز لتجميع النفايات مؤقتاً، إلى حين استحداث مطامر، ولا أحد يعرف متى سيتمُّ إستحداث هذه المطامر، ما يجعل التجميع المؤقت يصبح دائماً.

المشهد في لبنان سيكون على الشكل التالي إلى حين إيجاد الحلول:

جميع المقيمين على الأرض اللبنانية، من لبنانيين ولاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين، سيُنتجون يومياً آلاف الأطنان من النفايات. بعد الإنتاج سيتمُّ رميها في الشوارع. إذا كان معمل سوكلين قادراً على استيعابها فسيتمُّ نقلها إليه، وإلا فإنها ستنتظر دورها ليكون بالإمكان نقلها، وفترة الإنتظار تعني انبعاث الروائح مع التخمير في العراء بسبب الحرارة المرتفعة، ونحن في تموز فيما آب على الأبواب.

الرحلة لا تنتهي في معمل سوكلين بل منه تبدأ، سوكلين لم تعد تملك مطمراً فأين ستضع النفايات المكدَّسة؟

كل المعالجات حتى الآن أفضت إلى وضعها في أماكن مؤقتة.

خارطة تجميع المكعَّبات تتم بطريقة فوضوية وارتجالية، والأخطر من كلِّ ذلك أنَّ هذه المكعَّبات ستتحوَّل بعد أقل من شهر إلى نفايات مجدداً بعدما يكون الغلاف الذي يوضبها قد انفرط عقده، وهكذا نكون أمام انفلاش أطنان النفايات في مراكز التجمع، وهذه الأطنان تكون بحاجة إلى التوضيب مجدداً فهل تُنقَل مرة جديدة إلى معمل سوكلين لإعادة توضيبها؟

إنها دوامة النفايات:

تنطلق من الأحياء لتعود إلى المناطق، وربما إلى الأحياء، والوضع غداً لن يكون بأفضل من وضع اليوم، تماماً كما وضع اليوم لم يكن بأفضل من وضع أمس، إنه التدحرج المتواصل والمتمادي والمتلاحق، وليس في الأفق ما يشير إلى أنَّ هذا التدهور سيتوقف أو أنَّ هذا النزيف سيوضَع حدٌّ له.

أزمة النفايات مثلها مثل الأزمات الأخرى في هذا البلد، الفارق بينها وبين غيرها أنَّ النفايات لها روائح كريهة لا يمكن تحملها، لذا يحاول المسؤولون إبعادها عن أنوفهم وليس إيجاد حل لها، أما الأزمات الأخرى فلا رائحة لها وبالإمكان إبقاؤها في ملفات مغلقة ومقفلة في غياب العجز عن معالجتها.

لكن الأخطر من كلِّ ذلك أنَّ الملفات كلها ستنفجر في أيلول:

من الرواتب إلى إستحقاقات فوائد الديون إلى أقساط المدارس إلى الكهرباء، فأيُّ إنفجارٍ سيسبق الآخر؟

الحكومة أم الملفات؟