يؤكد مسؤول لبناني بارز ومعروف بصلاته الوثيقة مع دوائر القرار الفرنسية وعاد اخيرا من باريس والتقى خلال مكوثه هناك ما يقارب الشهر مسؤولين فرنسيين ودبلوماسيين، ان الاتفاق النووي فعل فعله في الادارة الفرنسية. فبعد ان كانت من اشد المعارضين له والمعرقلين بضغط اسرائيلي - سعودي، تلهث دوائر الرئيس فرنسوا هولاند الى تطبيع العلاقة مع طهران من البوابة الاقتصادية، ومحاولة اعادة إطلاق حراك سياسي ما في المنطقة بالملفين السوري واللبناني. ويشير المسؤول المذكور الى ان الحديث عن إطلاق مبادرة روسية لايجاد تحالف اقليمي لمحاربة الارهاب يجمع ايران والسعودية وتركيا وقطر بضوء اخضر اميركي و"علم" فرنسي جدي سيأخذ مداه قريبا ويتوقع الفرنسيون ان تظهر نتائجه خلال اسابيع. وتشير مصادر متابعة للحراك الفرنسي في إتجاه طهران ان زيارة وزير الخارجية لوران فابيوس الى طهران ولقائه الرئيس الايراني حسن روحاني تصب في هذا الاطار. فمن ناحية توسيع مروحة العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد رفع العقوبات عن ايران بالاضافة الى دور سياسي في ملفات المنطقة. ويشدد المصدر الدبلوماسي على ان هناك حراكاً ما يحدث في المنطقة بعد الاتفاق النووي فهو مهد الارضية لكي تتحدث الناس مع بعضها البعض وهو امر سهل الى حدود المصلحة المشتركة بين الدول بينما هي من الصعوبة بمكان ان تفرض نمطاً مغايراً ومفاجئاً على الشعوب بعد ان يكون النظام قد بنى ايديولوجية شعبه على فكرة او اساس امتد لاعوام طويلة.

وقد يكون من السهل على الشعب الايراني او الفرنسي ان يرى الرئيس هولاند او وزير خارجيته في طهران وان تطبع العلاقة من جديد بحكم متغيرات الامر الواقع التي قد يفرضها الامر الواقع، بينما قد يجد الجمهوران الاميركي والايراني والاخير خصوصاً صعوبة في هضم هذا التقارب بعد ما يزيد من ثلاثة عقود على العداء. ووفق الدبلوماسي المذكور فإن هناك شبه إجماع على ان التسوية ستبدأ حكماً من الملف السوري، اذ تجول بين دوائر القرار العالمية بجدية، فكرة الحلف الاقليمي لمواجهة "داعش" من الانبار الى كل سورية، فالرسائل الاميركية التي حملها الموفد العراقي اخيراً الى الرئيس بشار الاسد واللقاء السعودي - السوري والغارات التركية على داعش وحزب العمال الكردستاني. وكل هذا الحراك الذي سيتزايد في المنطقة، لا يمكن ان يتم من دون رضى اميركي وتنسيق مع الايراني. فالتحرك الفرنسي نحو ايران والجهود الروسية المتصاعدة لتمهيد لحل سياسي في سورية على اساس جنيف 2 ومحاولة ترتيب العلاقة السورية- السعودية، توحي بأن إنطلاق التفاهمات الايرانية - الاميركية سيكون من سورية. ولكن السؤال الكبير الذي يطرحه الدبلوماسي المذكور ما هو شكل هذه التسويات وكيف ستترجم وعلى حساب من ستكون؟

ويشير الى ان بحكم معرفته وتجربته في الدبلوماسية الايرانية لا يمكن الرهان على تفريط ايراني بأوراق القوة التي تمتلكها الجمهورية الاسلامية. فمن البساطة والسذاجة الجزم، أن اي تسوية من سورية ستبدأ من حسم مصير الرئيس الاسد او المساومة على "رأس" حزب الله والمقاومة الفلسطينية او تغيير الوقائع الميدانية في العراق واليمن لمصلحة الفريق الاميركي- السعودي.

وخلال جولة في بيروت لاحد المسؤولين الدينيين المقربين من السيد علي خامنئي على هامش مشاركته في احد المؤتمرات ولقائه السيد حسن نصرالله امس قبل سفره مساء، لم يوح المسؤول المذكور لمحدثيه الا بمزيد من الثقة والدعم الايراني لحلفائهم في لبنان وان مفاعيل الاتفاق النووي السريعة ستظهر في الجوانب التقنية المتعلقة بالاتفاق. اما الملفات الاقليمية المتداخلة والمتشعبة لا تملك ايران وحدها الحل والربط فيها من دون الشريك الاساسي في الاتفاق وهو الاميركي.

لبنانياً وإنطلاقاً مما تقدم ،الامور مرجحة الى المراوحة او الـ"ديفاكتو" او استقرار بقوة الامر الواقع الذي تفرضه المجريات الميدانية في المنطقة. فلا استقالة لرئيس الحكومة تمام سلام ولا تطيير للحكومة، مع "فترة سماح" لتمرير بعض المصالح الحيوية التي تضمن استمرارية عجلة الدولة. وخلال هذه الفترة قد يعتكف سلام او قد يتصاعد الحراك العوني في الشارع. وقد تشهد بعض الاروقة السياسية صخباً ما او تصريحات عالية نوعاً ما، وقد يتحمس بعض الطامحين الى الرئاسة من الموارنة وخصوصاً اصحاب التوجه الاقتصادي او من يعتبر نفسه من"جماعة التكنوقراط" وتقام لهم حفلات علاقات العامة الاجتماعية والاحتفالات بالمناسبات الشخصية بمآدب فاخرة، لكنها امور كلها لن تغير في الوقائع.