"سياسة الهُروب إلى الأمام" مُطبّقة في لبنان بشكل واسع، وهي طُبّقت في ما خصّ ملفّ التعيينات الأمنيّة حيث جرى تسويفه وتأجيل الحسم فيه في ظلّ الإنقسام الكبير حول سُبُل حلّه، ما جعل الإستحقاقات الحاسمة بشأنه على بُعد أيّام معدودة. فخدمة رئيس الأركان في الجيش اللبناني اللواء ​وليد سلمان​ تنتهي يوم الجمعة المُقبل، فهل سيتمّ تعيين خلف له، أم تمديد ولايته مرّة جديدة على الرغم من كل التهديد والوعيد من جانب "التيّار الوطني الحُرّ" على مدى أشهر؟

كل المُعطيات المُتوفّرة حتى الساعة تؤكّد أنّ مسألة التمديد للواء سلمان قد حُسِمت منذ فترة زمنيّة لا بأس بها، وهي لا تحتاج سوى للصيغة الإخراجيّة النهائيّة لتظهيرها. وبما أنّ لا جلسة حُكوميّة يوم الخميس المقبل بسبب إرتباط رئيس الحكومة تمّام سلام بنشاط سياسي خارجي، فإنّ الفرصة الأخيرة لتعيين خلف لرئيس الأركان تتمثّل في عقد جلسة وزارية في الساعات الثماني والأربعين المُقبلة، وفي طرح الموضوع على طاولة المجلس، وفي الإتفاق على شخصيّة عسكريّة لتولّي المنصب. لكن هذا الأمر مُستبعد جداً بسبب إستمرار التباين الكبير بين الجهات السياسيّة المُختلفة على إيجاد تسوية شاملة للمناصب العسكريّة المُعرّضة للشغور تدريجاً في الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة. وأمام هذا الواقع، وبما أنّ فريقاً وزارياً يرفض تبنّي وجهة النظر "العَونيّة" بأن يتسلّم أيّ منصب أمني يشغر، الضابط الأعلى رتبة في السلك المَعني، فإنّ الحلّ الوحيد الذي سيتبقّى لمنع الفراغ عن هذه المناصب يتمثّل في تمديد فترة خدمة الشخصيّات العسكريّة التي تشغلها. وهذا الأمر سيتمّ بمرسوم وزاري صادر عن وزير الدفاع سمير مقبل، وليس بقرار عن مجلس الوزراء، وذلك في تكرار للسيناريو الذي جرى إعتماده قبل عامين للتمديد لأكثر من شخصيّة أمنيّة، وفي طليعتها لقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي.

لكنّ لجوء الوزير مقبل، والفريق السياسي الواسع الذي يدعمه، لخطوة التمديد لرئيس الأركان كما هو مُنتظر ومُتوقّع، ولو جرى قبل ذلك طرح موضوع التعيين بشكل غير مُثمر من باب رفع العتب، لن يكون سهل الهضم من قبل "التيّار الوطني الحُرّ" ليس بسبب الصراع على المنصب المذكور، ولا حتى بسبب رفض الخطوة من الناحية المبدئيّة، كما يُردّد مسؤولو "التيّار" بشكل دائم. فأيّ خطوة في هذا الإتجاه تعني حُكماً تحضير الأرضيّة القانونيّة والسياسيّة لخطوة مُماثلة على مستوى منصب قيادة الجيش قبل 22 أيلول المقبل، وبالتالي إنّ تمرير هذه الخطوة من دون أيّ إعتراض من جانب رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، يعني حُكماً عدم القدرة على الإعتراض عند تمديد ولاية قائد الجيش بعد نحو شهر ونصف الشهر تقريباً، كما هو مُتوقّع، حتى لا تُعتبر المسألة شخصيّة بين "الجنرالين" عون وقهوجي.

إذاً، وبعد أن طغت مُشكلة تراكم النفايات في شوارع بيروت وجبل لبنان على سواها من المشاكل، ستعود مُشكلة التعيينات الأمنيّة إلى الواجهة في الساعات القليلة المقبلة، لتبلغ الذروة إعتباراً من منتصف الأسبوع الحالي. ولا يبدو أنّ "التيّار" سيتساهل إزاء ما يتمّ تحضيره من تمديد للواء سلمان، بحكم "الأمر الواقع" و"منعاً للفراغ"، ولا يبدو أنّ التيّار يتّجه للموافقة على ما يتم تسويقه من صيغ تسمح بتمرير إستحقاق تمديد فترتي خدمة كل من رئيس الأركان ومن ثم قائد الجيش، في مقابل أن يتمّ مثلاً تمديد فترة خدمة مجموعة من كبار الضبّاط في الجيش، ومنهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، بهدف إبقاء حظوظه مُتوفّرة لتسلّم منصب قيادة الجيش في المُستقبل، علماً أنّ روكز سيُحال على التقاعد منتصف شهر تشرين الأوّل المقبل. وبحسب المعلومات، فإنّ "التيّار" سيُطلق حملة عنيفة ضُدّ القرار المُرتقب لوزير الدفاع، يُركّز خلالها على عدم قانونيّة ودستوريّة التمديد لرئيس الأركان بمرسوم وزاري، وسيتصرّف إزاءه وكأنّه لم يكن، الأمر الذي سيضعه بمواجهة أطراف سياسيّة عدّة مُوافقة مُسبقاً على القرار، وفي مواجهة مع المسؤولين الأمنيّين الذين ستشملهم قرارات التمديد تباعاً.

في الختام، وفي ظلّ إنسداد أفق الحلول بالنسبة إلى مسألة التعيينات الأمنيّة، سيحمل هذا الأسبوع تمديداً أكيداً لفترة خدمة رئيس الأركان في الجيش، لتتجه بعد ذلك كل الأنظار إلى ما سيتخذه العماد عون من خطوات تصعيديّة، في ظلّ عدم توقّع الكثير من قبل خصومه، إنطلاقاً من المظلّة المحلّية والدَوليّة التي تحمي حكومة "المصلحة الوطنيّة" برئاسة سلام، وفي ظلّ عدم جدوى التحرّكات الشعبيّة التي قام بها "التيّار" في الأسابيع القليلة الماضية، والتي يُهدّد بتكرارها. وحدها الأيّام القليلة المُقبلة ستحمل الإجابات الشافية بالنسبة إلى مدى قُدرة "التيّار الوطني الحُرّ" على الإعتراض...