فجأة حلت المبادرة الروسية في طرح مشروع لإنشاء تحالف يجمع السوريين والسعوديين والأتراك والعراقيين والأردنيين ضد الارهاب. من دون مقدمات طويلة جاء اللقاء السعودي-السوري، ثم خطوات الامارات العربية المتحدة لفتح سفارتها في دمشق. بسرعة توالت الانجازات العسكرية السورية في عدد من المناطق: تقدم في ريف ادلب وجسر الشغور واسترجاع الجيش السوري لاجزاء كبيرة من البلدات التي كان سيطر عليها مسلحو "جيش الفتح". الاهم ما حصل في الحسكة من تعاون وتنسيق بين "قوات حماية الشعب الكردي" والقوى التي تنضوي تحت أمرة الجيش السوري وأثمر طرد "الدواعش" نهائيا من الحسكة. لا يُخفى الدفع الأميركي هنا لتشجيع الكرد على التعاون مع الجيش السوري في منطقة "الجزيرة" شمالا. هذا تحوّل ليس عابراً.

في الجنوب فشل هجوم كبير شنه المسلحون في الايام الماضية في درعا، رغم تحضيرهم لمفاجآت ميدانية كان الهدف منها إرباك الجيش وإشغاله عن التركيز على معارك الزبداني. ولا يبعد عن دائرة الاستغراب هنا عدم دخول "مسلحي الغوطة" التابعين لزهران علوش في أيّ معركة تُبعد اهتمام الجيش السوري وحلفائه عن معركة الزبداني.

كلها مؤشرات تدور حول سوريا، وتفرض الربط والقراءة والتساؤل: ماذا يجري؟ ما الذي تغير؟ هل هي تداعيات الاتفاق النووي؟

حتى تاريخ السابع عشر من أيلول لا بت نهائيا للاتفاق المذكور. هناك معارك سياسية داخلية تخوضها الادارة الاميركية لإقناع الكونغرس بجدوى الاتفاق. مواجهات ساخنة تدور ما بين البيت الابيض وتل أبيب. كل طرف استنفر قواه لحماية رأيه في شأن الاتفاق النووي.

طهران التي تستقبل الموفدين الأوروبيين الساعين للعب ادوار تسووية بين ايران وعواصم العالم، لا تزال ترصد حركة واشنطن. هي مطمئنة لدور الادارة الاميركية، لكنها تخشى قرارات الكونغرس وما بعده، ما يعني ان الانتظار هو سيد الموقف لدى الإيرانيين.

لذلك يجري تجميد الملفات الإقليمية بالنسبة لهم. لا حلول ولا آفاق ستظهر بوضوح قبل نهاية أيلول. فهل يعني ان إخفاق الاتفاق النووي أميركيا سيُبقي المنطقة في دائرة الصراعات؟

سؤال جرى طرحه على مستويات عدة رغم قناعة المفكرين بحتمية التوافق الغربي - الإيراني بمجرد انتهاء مفاوضات جنيف وصدور قرار مجلس الامن الدولي الخاص بالملف، ورفع العقوبات عن طهران والسباق الدولي الحاصل في الانفتاح على الجمهورية الاسلامية الإيرانية. لو كان الامر سلبياً، ما كان بدأ التواصل في المنطقة يكسر المحرمات.

فماذا عن التفاوض الإقليمي؟

مجرد جولة وزير الخارجية الاميركية جون كيري في المنطقة دفاعاً عن الاتفاق مع ايران يعني ترتيباً لوضع ساحات المنطقة، خصوصا إزاء قلق الغرب من تمدد "داعش". يريد الأميركيون تحالفا ضد الارهاب. أيضاً الروس يسعون لتأسيس التحالف. قد لا يعني ذلك ان هناك انسجاما مطلقا بين موسكو وواشنطن حول التحالف، ولا تعارضا مطلقا بينهما. الهدف هو الأهم بالنسبة للطرفين، رغم وجود مصالح يسعى كل فريق للحفاظ عليها.

في المنطقة تكونت القناعة بوجوب صد الارهاب. مصر صاحبة الجرح المفتوح في سيناء تبقى يقظة في داخلها خوفا من "انقلاب إخواني" جديد، يهمها تأسيس التحالف لمواجهة المتطرفين. القاهرة تدرك جيدا ان المجموعات نفسها هي التي تقاتل في العراق وسوريا تستهدف مصر وترصد الفرصة المناسبة للانقضاض على السعودية. هذا ما تم الحديث حوله بشكل أساسي في لقاءات كيري في القاهرة. الرياض بدورها باتت على قناعة تامة بوجوب المضي بالمبادرة الروسية بسبب الهواجس السعودية من تمدد "داعش" حيث تتوافر للتنظيم بيئة حاضنة كبيرة في المملكة. الأردن يخاف من انفلات الأوضاع. تركيا تعاني من ازمة سياسية داخلية وقلق من تحرك الكرد والحدود المفتوحة مع سوريا.

الأهم سقوط الرهانات في سوريا. صمد الرئيس بشار الاسد وفشلت كل المعارضات في توحيد وتظهير مواقف سياسية عقلانية عملية او انتاج زعامات وقيادات وقوى فاعلة. على الارض لم يحقق اي طرف اي مكسب سوى "داعش" أو "النصرة" رغم تنوع التسميات، ولم يعد "للجيش الحر" وجود يُذكر ولا اعلام خضراء تُرفع. المساحات مخصصة في مناطق المعارضة فقط للرايات السود.

القلق الدولي-العربي تظّهر بشكل اكثر وضوحاً إزاء هذه الوقائع. جرى تجاوز مطلب إقالة الرئيس والاستعداد لطرح خطط سياسية كان جرى اقتراحها سابقا في موسكو، كفصل السلطات والانتخابات المبكرة وإطلاق موقوفين وعودة معارضين.

دمشق تشترط قبل اي دخول في حل او بحث سياسي جدي بإقرار العواصم علناً بمحاربة الارهاب بالإسم: "جبهة النصرة" ومتفرعاتها وكل فصيل او مجموعة تقاتل الجيش السوري. هذا ما تم بحثه في اللقاء السعودي - السوري. مصر اساسا تدعم وجهة النظر السورية وتحاول اقناع الرياض بهذا المطلب السوري. لذلك سيجري تحييد علوش عن المواجهات كفصيل يأتمر بأوامر الرياض مباشرة لتسويق انضمامه لاحقا الى مشروع التسوية.

لم يتظهر المسار الواضح بعد، لكن الامور وضعت على السكة. المعطيات تفيد بالتحضير للقاءات سياسية سعودية - سورية قد تكون في سلطنة عمان في الأسابيع المقبلة، بالتنسيق مع الروس وعلم الايرانيين والأميركيين واطّلاع الاتراك أيضاً وجهوزية المصريين لتسويق "معارضين سوريين" كانت القاهرة لملمت صفوفهم بالتنسيق مع موسكو، على اساس معادلة ابتعادهم عن "الاخوان المسلمين" ومتفرعاتهم.