خلال أيام قليلة، نجحت الفصائل التي تدور في فلك تنظيم "القاعدة" في توجيه ضربتين قاسيتين إلى الدول الداعمة لقوى المعارضة السورية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، وسيكون لذلك نتائج كبيرة على الواقع الميداني في الأيام المقبلة، نظراً إلى الرغبة في "تلميع" صورتها بغرض الإستفادة منها في محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي.

ما حصل في الإسبوع المنصرم، يؤكد بما لا يقبل الشك أن الرهان على هذا النوع من الفصائل لا يمكن أن يستمر طويلاً، فهي تملك القدرة على الإنتقال من هذه الجبهة إلى تلك بسرعة فائقة، في مؤشر إلى أنها تعتمد البراغماتية الأميركية إلى حد بعيد، لكن ماذا ستكون خطوات القوى الداعمة لها في المستقبل؟

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة لعمل هذه التنظيمات، عبر "النشرة"، إلى أن الضربة الأولى كانت من خلال الإعلان عن خطف جبهة "النصرة" الإرهابية، يوم الإربعاء الماضي، مقاتلين سوريين مدربين ضمن البرنامج الاميركي للمعارضة المعتدلة، بعد أيام على إجتيازهم الحدود التركية إلى الداخل السوري بهدف التصدي لتنظيم "داعش" الإرهابي، وفي حين نفت وزارة الدفاع الأميركية هذا الأمر نشرت الجبهة يوم أمس شريط فيديو يؤكد حصول عملية الخطف.

وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه الحادثة سيكون لها تداعيات كبيرة، خصوصاً أن الغالبية العظمى من مقاتلي المعارضة السورية لم يتحمسوا إلى المشاركة في البرنامج الأميركي، بسبب الإجراءات التي يتطلبها من جهة، والإتهامات التي توجه إلى المشاركين فيه من جهة ثانية، وتوضح أن موضوع حماية المقاتلين الذين يخضعون لتدريبات كانت دائماً موضع نقاش طويل، وتجزم بأن ما حصل سيدفع بمن كان لديه الرغبة بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى التراجع، لا سيما أن الإعدام سيكون على الأرجح هو ما ينتظره، عند خطفه من قبل التنظيمات الإرهابية المنتشرة على نطاق واسع في الأراضي السورية، والتي توجه لهم بشكل مباشر تهم "الخيانة" أو "التعامل مع الغرب"، وتشدد على أن هذا الأمر يعد فشلاً ذريعاً لقوى المعارضة التي تصنف "معتدلة"، من قبل الدول الغربية، خصوصاً أن هذه ليست المرة الأولى التي تثبت عدم قدرتها على المواجهة.

أما الضربة الثانية، فهي بحسب ما تؤكد المصادر، برقية التعزية بوفاة زعيم حركة "طالبان" الأفغانية الملا عمر الصادرة عن حركة "​أحرار الشام​"، في ظل حملة واسعة لـ"تلميع" صورتها من قبل الدول الداعمة لها، خصوصاً الحكومة التركية الراغبة في سيطرتها على إدلب، من أجل أن تكون المحافظة نقطة الإنطلاق التي تسمح بإنتقال الحكومة الموقتة إلى الداخل السوري، بعد أن رفضت جبهة "النصرة" هذه الخطوة بشكل مطلق، ما يعزز فرضية وجود جناحين داخلها.

وفي حين هناك تحالف بين "أحرار الشام" وجبهة "النصرة"، من خلال المشاركة في غرفة عمليات "جيش الفتح" في إدلب، تشير المصادر إلى خلافات كبيرة بدأت بالظهور إلى العلن في الفترة الأخيرة، سببها رغبة كل فريق منهما بأن تكون السيطرة له وحده دون الآخر، وساهمت الرسائل التي سعت الحركة إلى إرسالها إلى العالم الغربي في الأيام الأخيرة في تعاظمها، خصوصاً لناحية إعلانها الإستعداد للتعاون مع الحكومة التركية، بالإضافة إلى المقالات الصحفية، الموقعة من قبل مسؤول العلاقات الخارجية في "أحرار الشام" لبيب النحاس، التي نشرت في الصحف العالمية، والمتضمنة الدعوات إلى التعاون في الحرب على "داعش".

وتلفت المصادر إلى أن برقية التعزية، التي تضمنت أوصافاً لا يمكن أن تضع الحركة إلا في سياق التنظيمات المتعاطفة مع "القاعدة"، لا سيما لناحية وصف زعيم حركة "طالبان" بـ"معلم بناء الإمارات الإسلامية في قلوب الناس، قبل أن تصبح واقعا على الأرض"، تعني أن "أحرار الشام"، التي قامت بهذه الخطوة دون غيرها من الفصائل الإرهابية المتواجدة على الأرض السورية، لا تخجل في إعلان نهجها وفكرها، وبالتالي لا يمكن الإستمرار في محاولة العمل على تصويرها بأنها "معتدلة"، وتسأل: "ما هو الموقف الذي ستتخذه القوى الداعمة لها بعد هذه الخطوة، وما هي البدائل المطروحة أمامها؟"، وتضيف: "الإتئلاف الوطني السوري نفسه لم يكن بعيداً عن حملة الترويج لهذه الحركة عبر رئيسه خالد خوجة".

في المحصلة، هي تطورات جديدة تضاف إلى الأوضاع المتقلبة بشكل دراماتكي على الأرض السورية، ولكن بعد تأكيد الحكومة الأميركية تصنيف جبهة "النصرة" منظمة إرهابية ماذا سيكون موقفها من "أحرار الشام"، وما هو مصير برامج تدريب العناصر التي تصنف "معتدلة" بعد الضربة الجديدة التي تعرضت لها مؤخراً؟