"بقّ" رئيس المجلس النيابي نبيه بري "البحصة"، بعدما ضاق ذرعًا على ما يبدو بتوصيف "حليف حليفه"، رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، للبرلمان الذي يترأسه بـ"غير الشرعي" و"غير الدستوري" وما شابه..

برأي بري، فإنّ كلام عون ينطوي على "ازدواجيّة فاقعة"، فهو من جهةٍ يصرّ على اعتبار مجلس النواب الحالي غير شرعي بسبب ​التمديد​، ولكنّه في الوقت ذاته، لا يجد حرجاً في ان يطلب من هذا المجلس انتخابه رئيساً للجمهورية. أما ردّه فواضحٌ لا يحتمل اللبس: "أرفض التصويت لمن يقول عني إنني غير شرعي"!

قانون الانتخاب أولاً!

"الأستاذ بيمون".. بهذه العبارات البسيطة، تعلّق مصادر نيابية في "التيار الوطني الحر" على كلام بري عن "دعمه المشروط" لـ"الجنرال" في انتخابات الرئاسة، وإن كانت تعتبره مجافيًا للحقيقة وللمنطق الذي ينطلق منه "التيار" في مقاربته.

وتوضح هذه المصادر أنّ "الجنرال" أصلاً لم يعد ينتظر أن ينتخبه هذا المجلس بالتحديد رئيساً للجمهورية، ليس لكونه غير شرعيّ فحسب، ولا لكونه لا يعكس التمثيل الصحيح لمختلف المكوّنات فقط، بل علاوة على هذا وذاك لكونه أثبت فشله وعجزه، وقبل كلّ شيء فقدانه لمعاني الحرية والسيادة الحقيقيّة.

وتذكّر مصادر "التيار" في هذا الإطار بأنّ العماد عون كان أكثر من واضحٍ عندما قال قبل مدّة ليست بالقصيرة أنّ قانون الانتخابات يجب أن يقرّ قبل الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية، وأعلن أنّه لن يكون هناك رئيس جديد إذا لم تحصل انتخابات لمجلس نواب، ولا مجلس نواب قبل وضع قانون الانتخابات.

التسوية مشؤومة..

برأي مصادر "التيار" نفسها، فإنّ جلّ ما يستطيع مجلس النواب الحالي فعله هو أن يبصم فقط بالشكل على تسوية مستورَدة، إقليمية أو دولية، بحيث يقوم المجلس النيابي بـ"إخراجها" لا أكثر ولا أقلّ، وهو الخيار الذي لا يحبّذه "التيار" شكلاً ومضمونًا، لأنّ "المؤمن لا يلدغ من الجحر مرّتين"، وذلك انطلاقاً من التجارب السابقة، ولا سيما منها تجربة تسوية الدوحة المشؤومة.

هذه التسوية، التي يرفضها "التيار"، تقول مصادره أنّ بري في المقابل يبدو أكثر المتحمّسين لها، فهو في التصريح نفسه الذي أعلن فيه عدم نيّته انتخاب عون إذا لم يعترف بشرعية البرلمان، قال بالفم الملآن أنّ "اللبننة انتهت كلياً، والحل أصبح خارجياً بامتياز"، بل أسف لكون اللبنانيين لا يبذلون جهداً لتحضير الأرضية من أجل ملاقاة أي فرصة خارجية مؤاتية للحل. وهنا، تسأل المصادر: "ماذا لو أتت هذه التسوية باسم عون رئيساً للجمهورية؟ هل سيشترط بري أم أنه سيسير بها كيفما كانت؟"

بيد أنّ أبواب التسوية ليست موصَدة بشكلٍ كامل "عونيًا"، ولكنّ لها شروطها، على حدّ ما تقول المصادر نفسها، فالتسوية المُذِلّة التي تأتي باسم رئيسٍ لا طعم له ولا لون لا يمكن أن تُناقَش. وحدها التسوية السياسية الشاملة لا "فيتو" عليها من جانب "التيّار"، على أن تراعي كلّ الهواجس والاعتبارات، وتضمن بالتالي استعادة الحقوق المهدورة والمُصادَرة، وإعطاء المسيحيين مكانتهم وهيبتهم في المجتمع.

قوة الأمر الواقع..

ولكنّ مقاربة "التيار الوطني الحر"، تثير بطبيعة الحال الكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا أنّها في مكانٍ ما تقع هي الأخرى في "فخّ الازدواجية"، أقلّه بنظر خصوم "التيار البرتقالي"، إذ كيف يرفض الأخير أن ينتخب هذا المجلس رئيساً للجمهورية لأنه غير شرعي، ويطالبه بوضع قانون انتخابٍ عادلٍ لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه؟ وكيف يوحي بقبول انتخاب هذا المجلس عون رئيسًا للجمهورية في حال أتى ذلك في إطار تسوية سياسية شاملة؟ هل ستحوّل هذه التسوية الشاملة المجلس إلى شرعي وقانوني أم ماذا؟

سريعًا، تردّ مصادر "التيار"، وتقول: "صحيح أنّنا نعتبر هذا المجلس غير شرعي، ولكن هذا لا يعني أننا لا نعترف به، فهو قانونياً قائم، ونحن نتعامل معه بواقعيّة"، وتذهب أبعد من ذلك لتسأل: "إذا لم يكن هذا موقفنا المعروف، فلماذا يدعونا رئيس المجلس النيابي نفسه إلى فتح دورة استثنائية؟ وأكثر من ذلك، لماذا ننادي نحن بتشريع الضرورة إذا لم نكن معترفين بأنه قائم بقوة الأمر الواقع القانونية؟ أليس بري نفسه من كان يحاول تعديل جدول أعمال الجلسة التشريعية لإقناعنا بالمشاركة فيها تحت عنوان تشريع الضرورة؟ ماذا كان سيدفعه لذلك لو كان موقفنا مطلقاً ونهائيًا بعدم الاعتراف بالبرلمان بأيّ شكلٍ من الأشكال؟"

من هنا، توضح المصادر أنّ موقف "التيار" ينطلق أولاً وأخيراً من كون هذا المجلس، القائم قانوناً وغير الشرعي عملياً، عاجزاً عن فعل شيءٍ بمعزلٍ عن "الأوصياء الخارجيين"، وما أكثرهم، والمطلوب لذلك كلّه مجلسٌ ينتج عن قانون انتخابي عادل، بحيث يؤمّن التشاركية الفعلية بين جميع مكوّنات الوطن، وبالتالي يكون قادرًا على تحقيق "حلم" جميع اللبنانيين، لجهة انتخاب رئيسٍ "صُنِع في لبنان"، للمرّة الأولى في التاريخ اللبناني الحديث.

عون أو لا أحد؟!

هي مقاربة "التيار الوطني الحُرّ" إذاً، مقاربة تنطلق بحسب مصادره من الرغبة بـ"التغيير"، "تغييرٌ" لا ضير في أن يشمل كلّ شيء، ولا حتى بأن يطيح بالنظام برمّته، طالما أنّه نظامٌ أثبت عجزه وفشله وعدم قدرته على إنتاج أيّ شيء.

ولكنّها في المقابل مقاربة تختصر، وفق معارضيه، بعبارة واحدة هي "عون أو لا أحد"، ولا يتردّد هؤلاء في القول أنّ "الجنرال" مستعدٌ لأيّ شيء مقابل الرئاسة، وأنّ كلّ ما يطرحه من مطالب ومطالب مضادّة ليس سوى محاولة منه لإيجاد "الطريق إلى القصر".

وبين هذا وذاك، قد يكون الأكيد واحداً، ألا وهو أنّ النظام اللبناني يعاني، طالما أنّ الرئاسة عالقة بين كمّاشة مجلس نيابي غير محدّد الشرعيّة، وسندان تسويةٍ خارجيّة لم توضَع على النار بعد...