ازمة النفايات مستمرة والحكومة تتخبّط بين الحلول فيما المكبّات العشوائية تقترب من عدم القدرة على استقبال مزيد من نفايات العاصمة. وفيما تراجع خيار الطمر في الكسارات، وتنتظر المناقصات تقدّم أحد ما بعرض ما، عاد البعض الى الرهان على تنازل النائب وليد جنبلاط بإعادة فتح مطمر الناعمة، ولو موقتاً

الساعة ، ظهر يوم الجمعة المقبل، ترتسم معالم مناقصات إدارة النفايات المنزلية الصلبة التي أطلقت في آذار الماضي، ولا يزال الاعلان عنها يتوالى فصولاً بعد امتناع أي من العارضين المحليين أو الدوليين عن التقدم الى مناقصة المنطقة الخدماتية الاولى التي تضم بيروت الادارية والضاحيتين الشمالية والجنوبية وتنتج يومياً نحو طن من النفايات.

وحده رياض الاسعد، مالك شركة «الجنوب للإعمار»، أعلن قبل يومين عبر موقع «فايسبوك» أنه اشترى دفتر الشروط لمناقصة بيروت، في محاولة لاستدراج منافسيه الى الاعلان عن نياتهم تجاه التزام المنطقة التي تعاني من عجز عن طمر عوادم النفايات الناتجة منها في نطاقها العقاري بسبب فقدان أي مساحة خالية فيها.

وكان مجلس الوزراء قد اتخذ قراراً ألزم فيه بنقل عوادم نفايات بيروت البالغة نحو طناً يومياً في السنوات الثلاث الاولى من العقد المزمع توقيعه، الى المطامر التي سيتم إنشاؤها في منطقتي جبل لبنان الجنوبي والشمالي. لكن الاحتجاجات الشعبية التي رافقت إغلاق مطمر الناعمة ــ عين درافيل، وما تلاها من تكدس النفايات في الطرقات، شكلت «مناورة حية» ثبت خلالها أن الرفض الشعبي والبلدي في جميع أقضية جبل لبنان لاستقبال نفايات بيروت والضاحيتين أكبر بكثير مما كان البعض يعتقد، وأن أياً من العارضين الذين سيتقدمون الى مناقصات جبل لبنان سيجدون أنفسهم أمام مأزق إيجاد مطمر لنفايات هذه الاقضية، فكيف الحال باستقبال نفايات بيروت والضواحي؟

المناقصات ستنجح

في البقاع والشمال وتفشل

في الجنوب وجبل لبنان وبيروت

وبحسب مصدر متابع لمسار الاجتماعات التي تعقدها اللجنة المكلفة بدرس المناقصات ورفع تقرير بنتائجها الى مجلس الوزراء، فإن اللجنة لم تفتح بعد المغلف الذي يضم الاسعار المقدمة من العارضين في انتظار إتمام مناقصة بيروت التي تجري للمرة الثالثة. وأكد مصدر وزاري رفيع أن النتائج الاولية للمناقصات تبين أن نجاحها سيقتصر على البقاع والشمال، وستفشل في الجنوب وجبل لبنان وبيروت، الامر الذي سيعيد الملف الى النقطة الصفر مجدداً.

ويؤكد المصدر أن اللجنة تحتاج الى عشرة أيام أو أسبوعين، بدءاً من يوم الجمعة المقبل، لرفع التقرير الى مجلس الوزراء. ويستند هذا التقدير الى سيناريو يقول إن مناقصة بيروت ستنجح. أما في حال عدم تقدم أي من العارضين الى مناقصة بيروت، فإن اللجنة سترفع نتائج بقية المناطق، مترافقة مع توصية من وزارة البيئة بإطلاق مناقصة جديدة لبيروت بالاستناد الى دفتر شروط جديد على أساس بناء معمل لتوليد الطاقة من النفايات، وهذا الدفتر يفترض أنه قيد الإعداد من قبل الاستشاري الدنماركي «رامبول».

وبحسب المعلومات، فإن المناقصة الجديدة تحتاج الى ما لا يقل عن أشهر لإتمامها. أما مرحلة توقيع العقد والتلزيم والتصميم والتجهيز وصولاً الى التسلم والتشغيل فتحتاج الى خمس سنوات على أقل تقدير، إذا ما تم الالتزام بالمعايير المتبعة في هذا النوع من المناقصات، علماً بأن طبيعة دفتر الشروط، وما إذا كانت الدولة ستتولى الانشاء والتجهيز ومن ثم تسلم المعمل الى شركة للتشغيل، تختلف تماماً عن دفتر الشروط الذي يدعو الشركات الى الاستثمار في البناء والتجهيز، لأن هذا النوع من المناقصات من الصعب أن يستقطب شركات دولية للاستثمار بملايين الدولارات في بلد يعاني من اضطراب سياسي حاد، وجار لدولة تعيش حرباً أهلية منذ سنوات امتدت مفاعيلها اليه.

وفي وقت شُغلت فيه وزارة البيئة بالعرض الذي تقدمت به شركة «فيوليا» الفرنسية لتصدير النفايات الى الخارج، لم تتضح بعد النتيجة النهائية لهذا العرض الذي يحتاج أيضاً الى فترة للتجهيز والانشاء، خصوصاً تركيب معدات لتجفيف النفايات وتقطيعها بعد فرزها بشكل دقيق والتأكد من خلوّها من أي نفايات سامة أو مشعة. وعلى عكس موجة التفاؤل التي أشيعت في اليومين الماضيين، يؤكد مصدر وزاري متابع لملف التفاوض مع الشركات التي قدمت عروض الترحيل الى الخارج، أن طريقة تنفيذ هذا الخيار والتعقيدات التقنية المرتبطة به أكبر بكثير مما يتوقع البعض، إضافة الى كلفته العالية، وأن احتمالات فشله أعلى بكثير من احتمالات نجاحه.

الرهان مستمر على

قبول جنبلاط بإعادة فتح

مطمر الناعمة

ماذا عن الخيارات السابقة التي طرحت حول التخزين المؤقت في عقارات مكشوفة، أو دفن النفايات غير المعالجة في كسارات ومقالع في جبل لبنان؟

يتبين بالوقائع أن خيار التخزين في عقارات مكشوفة الذي بدأ العمل به في بيروت والضاحية قد شارف على مرحلة الاستنفاد، خصوصاً في الكرنتينا، وأن خيار الطمر في الكسارات لا يزال أيضاً يصارع اعتراضات شعبية وطائفية دفعت بالنائب وليد جنبلاط الى استبعاده من ضمن المقترحات التي عرضها خلال الساعات الـ الماضية. وتبين أن جنبلاط الذي كان متحمساً جداً لخيار الطمر من دون معالجة في الكسارات بات أكثر اقتناعاً بأن هذا الخيار مكلف من الناحيتين البيئية والسياسية، خصوصاً أن حماسته لم تترافق مع حماسة مماثلة من بقية الاطراف. وتبين أن آخر مقترحات الطمر في بلدة رشعين في كسروان قد تم التراجع عنه أمس بإجماع مجلس اتحاد بلديات كسروان الفتوح، ورأى المجلس أن موضوعاً بهذا الحجم لم يعد محصوراً بأي بلدية، وهو من مسؤولية الدولة.

ومع تصاعد موجة التشاؤم بفشل جميع الحلول المؤقتة، لا يزال هناك من يراهن على أن جنبلاط سيقدم تنازلات في الفترة المقبلة بإعادة فتح مطمر الناعمة ــ عين درافيل. لكن الاخير يرى أن إغلاق المطمر فضح التركيبة الحالية لإدارة النفايات، وأن مسألة إعادة فتح المطمر على قاعدة مهلة إضافية لا تستند الى انتقال جدي وملموس في طريقة إدارة النفايات من خلال مناقصات ترسو على شركات ذات سمعة جيدة، هو أمر غير مطروح إطلاقاً، علماً بأن إعادة طرحه تحت أي ظرف أو مسمى يحتاج الى علاجات تكاد تكون مستعصية مع أبناء قرى منطقة الشحار الغربي المحيطين بالمطمر، الذين لا يزالون يرابطون في الخيم المنصوبة عند مدخل المطمر لليوم الثامن عشر.

الحاج حسن: لرفع المنع السياسي عن مناقصة بيروت

برز أمس مؤتمر صحافي لوزير الصناعة حسين الحاج حسن، الذي أمل أن يتقدم العارضون الى منطقة بيروت والضواحي إذا ما تم رفع المنع السياسي. واقترح الحاج حسن مبادرة من ستة بنود لحل الازمة، أولها التفاهم السياسي على إيجاد مطامر صحية في كل المناطق، وضرورة تحمل المسؤولية الوطنية عن طمر نفايات بيروت والضواحي حيث لا يوجد في هذه المنطقة أي مدى جغرافي لاحتواء أو إقامة مطمر صحي فيها، وذلك بالبحث عن الحلول المناسبة، وإرساء المناقصات الخاصة بكل المناطق عبر الإسراع في درس هذه الملفات لناحية الجودة والمواصفات الفضلى والاسعار الأدنى، ثم إعادة إطلاق المناقصات في أي منطقة لا يتم فيها إرساء المناقصة لأي سبب كان، سواء لعدم تقدم أي من العارضين أو عدم استيفاء المتقدمين منهم للشروط المطلوبة بالسرعة القصوى. كذلك اقترح إطلاق المناقصة الخاصة بتلزيم معامل التفكك الحراري في منتصف آب الحالي (علماً بأن ذلك متعذر من الناحية التقنية لغياب دفتر الشروط). وطالب بإيجاد أماكن تجميع موقتة لكل منطقة بغية رفع الضرر عن الناس وأرزاقهم وصحتهم، تمهيداً لنقل النفايات الى حيث تكون المعالجة النهائية المرتقبة.

وحول تصدير النفايات الى الخارج، أشار الحاج حسن إلى أنه «على رغم ارتفاع كلفة هذا الخيار، فإننا لا نمانع من اعتماده تحت وطأة الظروف الحالية، آملين أن يكون خياراً جدياً قابلاً للتحول الى واقع، لا أن يبقى مجرد عروض تلقتها الحكومة».