تنذر الأوضاع في الشمال السوري بأزمة مفتوحة بين حلفاء الأمس، عنوانها التحولات التي حصلت على المستويين الدولي والإقليمي، والتي كانت "​جبهة النصرة​" الإرهابية عنوانها الأساسي، لا سيما من خلال تأكيد الإدارة الأميركية بأنها منظمة إرهابية.

بالتزامن مع ذلك، تضع الحكومة التركية على رأس قائمة أولوياتها العمل على إقامة منطقة عازلة أو آمنة في الجانب السوري المطل على حدودها، نتيجة المخاطر المتعددة التي باتت تواجهها، من توتر العلاقات مع تنظيم "داعش" الإرهابي، إلى سيطرة قوات "​حماية الشعب الكردي​" على مساحة واسعة من الأراضي، والتي أصبحت تشكل من وجهة نظر أنقرة خطراً كبيراً على أمنها القومي، وصولاً إلى أزمتها الداخلية الناتجة عن نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة.

إنطلاقاً من ذلك، تشير مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، إلى أن الجبهة وجدت نفسها في موقع "المستهدف"، بعد أن كانت تعمل بعض الجهات على فك إرتباطها بتنظيم "القاعدة" الإرهابي، بغية التسويق لها على أساس أنها "معتدلة"، بهدف الإستفادة منها في المرحلة الحالية التي أصبحت فيها المشاورات والتسويات تطبخ على نار حامية، لكن الفشل في تحقيق هذه الغاية وضعها في مصاف تنظيم "داعش"، الذي تُشَن عليه حملة عسكرية من قبل قوى إقليمية ودولية.

وفي حين تتجه الأنظار إلى التنسيق القائم بين كل من الولايات المتحدة الأميركية و​روسيا​ الإتحادية والمملكة العربية السعودية، والذي سبقه اللقاء "المعجزة" بين مدير مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك وولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، تلفت المصادر إلى أنّ "النصرة" عادت إلى تطبيق خطتها السابقة في الشمال السوري، التي تنصّ على القضاء على كل الفصائل والقوى التي من الممكن أن تنقلب عليها، بعد أن وصل التعاون في ما بينها إلى تشكيل "غرفة عمليات جيش الفتح في إدلب"، التي نجحت في تحقيق تقدم نوعي، وكان من المتوقع أن يتم تطبيق النموذج نفسه في حلب.

في هذا السياق، سُجّلت في الأيام الأخيرة عملية "تطهير"، قامت بها الجبهة، مستهدفة المجموعات، التي تمّ تدريبها في الأراضي التركية، من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية، عبر الهجوم على مقار "الفرقة 30 مشاة" وأخرى تابعة إلى "الفرقة 111" في ريف حلب، مع العلم أن الأخيرة هي أحد مكونات "غرفة عمليات فتح حلب"، ومنضوية في تشكيل "جيش النصر" الذي يشارك في معارك ريف إدلب وسهل الغاب جنباً إلى جانب "النصرة".

إلى جانب ذلك، تشهد المناطق، الواقعة تحت سيطرة المجموعات المسلحة في إدلب، صراعاً "جهادياً" كبيراً على إدارتها، بين كلّ من "النصرة" و"​حركة أحرار الشام​"، يتمثل بعمليات إغتيال تستهدف قيادات وعناصر الجانبين، بالرغم من أن الحركة تعتبر أن فصيل "​جند الأقصى​"، الذي يحظى بغطاء كبير من الجبهة هو المسؤول عن هذه التجاوزات، الأمر الذي يهدد التحالف المعلن بين الجانبين، لا سيما بعد الخلاف حول الموقف من الحكومة التركية، حيث رحبت "أحرار الشام" بسعيها إلى إقامة منطقة عازلة مقابل رفض "النصرة" بشكل قاطع هذا المشروع.

على ضوء هذه المعطيات، تعتبر المصادر المراقبة أن المرحلة المقبلة ستشهد نوعاً من التحول في العلاقة بين الحركة والجبهة، خصوصاً في حال قررت الأولى التناغم مع المحاولات الغربية إلى إبعادها عن الجبهة، في إطار العمل على الإستفادة منها في محاربة "داعش" من جهة، وفرض أمر واقع على الحكومة السورية من جهة ثانية، من خلال دفعها إلى التنسيق مع "الإئتلاف الوطني السوري" و"الحكومة الإنتقالية" من أجل إعلان هيكيلية سياسية جديدة في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وتوضح أنها أرسلت في الفترة الأخيرة العديد من الإشارات التي توحي بهذا الأمر.

وترى المصادر نفسها أن تحرك "النصرة" السريع الهدف منه على ما يبدو قلب الطاولة على الجميع قبل فوات الآوان، إلا أن فرص نجاحه قد تكون ضئيلة مقابل فرص المشروع الآخر، لكنها تشدد على أن الأوضاع في الشمال السوري أصبحت متداخلة على نحو بعيد، بحيث تصطدم الأهداف التركية مع الأهداف الأميركية، بسبب الموقف من قوات حماية "الشعب الكردي" التي تراهن عليها واشنطن في مشروعها، كما تصطدم مواقف حلفاء الأمس من الفصائل والمجموعات المسلحة بحسب توجهات الجهات الممولة والداعمة لها.

في المحصلة، يبدو الهدف الذي تتفق عليه واشنطن وأنقرة واضحًا في العموم، وهو تشكيل أرضية سياسية من خلال فصائل وقوى مسلحة تصنفها "معتدلة" تستطيع عبرها الجلوس على طاولة المفاوضات لاحقاً، لكن في العمق لا تزال تواجه الكثير من العراقيل الكبرى، على رأسها المواجهات المنتظرة مع "النصرة" و"داعش" بشكل أساس، والحل المنتظر لعقدة الأكراد من ناحية أخرى.