الحديث كثير عن مشروع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط منذ عام 2003 وزيارة كولن باول وزير خارجيتها انذاك الى قصر الرئيس السوري بشار الأسد ومحاولات اقناعه بفك الارتباط عن مشروع يبدو انه سلك طريقه فيه كجزء لا يتجزأ، وهو مشروع دعم حركات المقاومة ضدّ «إسرائيل» عبر حلف كان قد بدأ يظهر بشكل أكبر مع إيران وحزب الله وبعض الحركات الفلسطينية المعروفة حينها.

انسحاب اسرائيل عام 2000 من جنوب لبنان ليس تفصيلاً في مشروع واشنطن في الشرق الاوسط وحليفتها «تل ابيب»، بل محطة مفصلية بمثابة عدّ عكسيّ حقيقيّ للنفوذ «الاسرائيلي» في المنطقة، وهو ما أيقنت واشنطن بقدومه بلا تردّد من اليوم الأول للانسحاب، وقد تعمّقت كثيراً في هذا الأمر مراكز الدراسات الأميركية و»الإسرائيلية»، بمعنى أنّ هذه الهزيمة هي العدّ العكسي لانهيار «إسرائيل» الذي يبدأ عند هزيمتها الأولى كما قال قادتها الأوائل يوماً.

بعد رفض الرئيس الأسد عرض باول وتمسّكه بتحالفه مع إيران وحزب الله والمقاومة، جاءت محاولات جورج بوش والمحافظين الجدد بشنّ حرب أميركية «إسرائيلية» على لبنان، وحرب 2006 لم تكن سوى محاولة للعودة الى حقبة ما قبل عام 2000 فتحتلّ «إسرائيل» مجدداً جنوب لبنان، أولاً من أجل إصلاح ما أفسده الضعف «الإسرائيلي» أمام ضربات المقاومة، وثانياً لضبط تمدّد حزب الله وسحقه كما كان مقرّراً قبل فوات الأوان بعد القدرات الصاروخية الهائلة التي باتت بحوزته، وهي انهيار مقدّر لـ»إسرائيل».

لكن الأوان قد فات وفشلت حرب 2006، بحيث لم يعد بمقدور «إسرائيل» الحديث عن معركة جديدة مع لبنان وهي التي لا يمكنها الضغط على الجبهة الداخلية مجدّداً بمعارك أخرى قريبة مع حزب الله بهذا الحجم، خصوصاً بعد الذي عاشته من ضغط نفسي ومادي هائل لأول مرة، اضافة الى الخسائر البشرية في صفوف بعض المدنيين وكثير من جنود العدو.

المشروع الأميركي جاء بالدرجة الأولى لإنقاذ «إسرائيل» من مأزقها، فكانت الخطط تتوالى لتصبح الخطة رقم 2 بعد حرب تموز اللعب على التقسيم والتفتيت لحلفاء إيران وأبرزهم سورية، فبدأت الاتهامات لسورية بسلسلة الاغتيالات التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي كانت قد اتهمت وحلفاؤها به أيضاً، لتتصاعد وتيرة الاغتيالات بشكل غير مسبوق ولتصبّ الاتهامات بها جميعاً عند سورية ومن ثم حزب الله.

كان حزب الله يدرك تداعيات حرب تموز جيداً، ويدرك ايضا انّ الحساب «الاسرائيلي» الأميركي لم ولن يقفل بسهولة، فتوالت الضغوط السياسية على حزب الله عبر حلفاء الولايات المتحدة في فريق 14 آذار، وهي الحركة التي دعمها بشكل دقيق سفير واشنطن في لبنان حينها جيفري فيلتمان، وكان حزب الله يتلقف هذه الضغوط واحدة تلو الأخرى من انتهاج سياسية إعلامية قلصت من حضور مسؤوليه على وسائل الإعلام تدريجياً حتى غاب بعضهم غياباً تاماً لتقتصر المواقف على بيانات كتلته النيابية، الى التعرّض لبعض التعديات ومحاولات جرّ شارعه نحو التوترات حتى وصلت الأمور الى ما لا يمكن ان يُطاق بالنسبة لقيادة المقاومة، وهو فتح ملف الاتصالات في 5 أيار 2008 في حكومة فؤاد السنيورة، والقرار بتغيير رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير الذي كان فريق 14 اذار يعتبره خاضعاً لإملاءات حزب الله.

على أيّة حال خاض حزب الله وحلفاؤه معركة 7 أيار الذي قال فيها أمينه العام إنها «يوم مجيد» فاستطاع ان يحمي المطار من الوقوع بيد الاستخبارات الأميركية «الاسرائيلية» في لعبة يدرك جزء اساسي من قادة 14 آذار خطورتها ضمن اللعبة اللبنانية التي تستغلّ الولايات المتحدة فريقهم فيها تحت عناوين السيادة والاستقلال.

حرب المطارات بالنسبة للولايات المتحدة و»إسرائيل» هي أبرز وأهمّ الحروب لما لها من علاقة بأمن البلاد والدخول والخروج اليها وما يمكن للمطارات من ان تسهّل دخول كلّ من له علاقة بتنفيذ مشروع من هنا او هناك، وبالتالي تضع يدها تدريجياً على مفاصل البلد الحدودية فيمكنها من تنفيذ مشاريعها بالتعاون مع من هم متعاونين اصلاً معها من الدولة اللبنانية ففشلت مجدداً عام 2008 عندما وقف حزب الله لأول مرة يرفع الفيتو: «المطار والاتصالات خط أحمر سيادي للبنان، إياكم والعبث».

عام 2011 توجهت الخطة رقم 3 من المشروع نحو سورية، فكان مطار اسطنبول كفيلاً بنقل كلّ إرهاب العالم اليها، بعدما استعصى مطار بيروت من الوقوع في يد «الموساد» لتنفيذ المشاريع الإرهابية، فنقل الى داخل سورية كلّ من له علاقة بالتدريب والتسليح والتنسيق من ضباط وعناصر أمنية غربية.

على أرض مطار بيروت وبالتعاون مع أجهزة الدولة استطاع الأمن العام اللبناني وببركة اليوم المجيد، يوم 7 أيار الذي حفظ سيادة هذا المطار وأمنه، من إلقاء القبض على الإرهابي الفارّ من العدالة لسنتين أحمد الاسير الذي عاث بالبلاد فساداً، مسجلاً أبهى صور بطولات أجهزة لبنان الأمنية.

معنى كلام السيد نصرالله ومجد يوم 7 أيار يترجم اليوم بمثل واحد وهو أحمد الأسير الذي لولا تلك المعركة لكان ربما مرّ وفرّ وأمثاله من البلاد بالتعاون مع مَن خان وموّل الأسير واعترف بهم خلال التحقيق من مسؤولين في هذا البلد من دون حسيب او رقيب، ولمن شاء او ابى دافع حزب الله حينها عن حماية مؤسسات الدولة وما تبقى من هيبة وسيادة فيها وعن أجهزة الأمن العام واستخبارات الجيش وكلّ ما له علاقة بسيادة واستقلال لبنان وحدوده الخارجية الحقيقية…

انها حرب المطارات في زمن الإرهاب التي تتوّجها المقاومة ببركاتها التي تدوم وتدوم…!