تتجه معركة الزبداني نحو الحسم من قبَل الجيش السوري والمقاومة، بعد أن بات الإرهابيون محصورين في مساحة ضيقة جداً من المدينة، وهي مستمرة حتى استسلام المسلحين أو قتلهم.

ويؤكد الخبراء العسكريون أنه رغم السيطرة الكاملة للجيش السوري والمقاومة على معظم المدينة، إلا أن هذه المعركة ليست سهلة بتاتاً، لأن الإرهابيين كانوا قد حشدوا فيها إمكانيات ضخمة عديداً وعتاداً، بسبب موقعها الاستراتيجي الهام الذي سيجعل الإرهابيين يتمسكون بها حتى رمقهم الأخير، كون الزبداني تقع على خاصرة دمشق على الطريق الدولية مع بيروت، وهي الطريق الدولية الوحيدة الآن تربط سورية بالخارج، بعد أن سهّلت تركيا للمجموعات الإرهابية، خصوصاً "داعش"، السيطرة على المعابر الشمالية، وبعد أن وفّر الأردن والكيان الصهيوني بدعم مادي سعودي وتغطية لوجستية أميركية لـ"جبهة النصرة" السيطرة على المعابر الجنوبية، خصوصاً معبر نصيب.. علماً أن المعارك في الزبداني تدور من بيت إلى بيت، بالإضافة إلى عمليات التفخيخ الواسعة التي قام بها الإرهابيون، والتي تفرض عند سيطرة الجيش السوري والمقاومة على كتل من الأبنية أو على حي، التحرك فيها ببطء وهدوء لتنظيفها من الألغام بشكل نهائي، ومعاودة التقدّم.

وبرأي الخبراء، رغم حالة اليأس التي تسري في ما تبقى من صفوف الإرهابيين في الزبداني، إلا أنهم لن يستسلموا بسهولة، خصوصاً أن وعوداً بأشكال مختلفة قُدِّمت لهم عن إمكانية تدخُّل عسكري صهيوني، سواء عبر شن غارات مكثفة، أو حتى تدخُّل مباشر من الجنوب السوري، لمساعدتهم، ولهذا جرى حديث طويل عن وقف لإطلاق النار، وعن هدنة وإمكانية انسحاب المسلحين، ورأينا أنها فشلت ولم تُمدَّد، فمعركة الزبداني ليست سهلة، فالقتال من زاوية إلى زاوية، ومن شارع إلى شارع، ولا خيار لدى المسلحين، فإما القتال لأنهم محاصرين، أو الاستسلام، وهم لن يستسلموا على أمل أن يوفّر حلف العدوان على سورية والدعم لهم بما يقلب المقاييس، وهذا بات في حكم المستحيل، كما يؤكد الخبراء الذين يشيرون إلى معركة أخرى يخوضها الجيش السوري لا تقل أهمية عن معركة الزبداني والقلمون، وهي معركة سهل الغاب، الذي يحتل موقعاً استراتيجياً هاماً، إذ إنه بعد أن سيطرت "جبهة النصرة" وما يسمى "جيش الفتح" على معظم المنطقة، بات الإرهابيون يهددون اللاذقية والساحل السوري، لذلك فهذه المنطقة هامة جداً كالزبداني، وبالتالي بدأ الجيش تقدُّماً نوعياً كان منتظَراً، وحينما يتقدم الجيش في هذه المناطق لا يمكن له أن يتخلى عنها مهما كلف الأمر.

ويلفت الخبراء إلى أنه مهما كانت ضراوة الحرب التي تُخاض على سورية، فإنه لا يمكن للمجموعات الإرهابية وداعميها أن يحسموا الأمور لصالحهم، معيدين إلى الأذهان تجارب في التاريخ الحربي، فيؤكدون أن نابليون بونابرت وصل في حربه ضد روسيا إلى أبواب موسكو، لكن أمام الصمود الكبير للجيش والمقاومة الروسيين، دُحر بونابرت وعاد أدراجه إلى فرنسا محمَّلاً بمئات آلاف القتلى والخسائر، ولتكتب بعدها نهايته في هزيمة واترلو.

كذلك فإن القوات النازية في الحرب العالمية الثانية وصلت إلى ستالينغراد، التي دارت فيها المعارك من بيت إلى بيت، لكن الجيش الأحمر أخذ قصب السبق وبدأ يحقق الانتصارات على جيوش هتلر، وظل يلاحقه إلى أن دخل ألمانيا واحتل العاصمة برلين.

وبرأي هؤلاء الخبراء، فإن الجيش السوري وتشكيلات المقاومة السورية، كقوات الدفاع الوطني، والمقاومة الوطنية والشعبية، وغيرها من التشكيلات الرديفة، بدأت تحقق ضربات هامة في صفوف المجموعات الإرهابية، التي بدأت حروب التصفيات فيما بينها من جهة، والخيانات في صفوف كل تنظيم إرهابي من جهة ثانية، كحالات الهروب الواسعة التي بدأت بها قيادات "داعشية" وهي حاملة ملايين الدولارات، وهو أمر بات يقلق الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية، وتحديداً تركيا والسعودية، ما بات يفرض على وسائل إعلام المقاومة وحلفاء دمشق والإعلام الحر في العالم ألا يركز على الجرائم الرهيبة والمروّعة للتنظيمات الإرهابية وحسب، بل أيضاً أن يسلّط الضوء بشكل ساطع على القوى والدول التي وفّرت الإمكانيات اللوجستية والمالية والإعلامية لهذه التنظيمات الإرهابية، لأنه بات ضرورياً - حسب رأي الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك - إجراء تحقيقات صحفية حول العلاقات التي تجمع التنظيم بالسعوديين والقطريين والأتراك، وإثارة مزيد من التساؤلات حول الدور الذي تقوم به الأسلحة الأميركية التي يتم تهريبها عبر الحدود السورية بشكل مباشر إلى يد "داعش".

وتساءل فيسك عن السبب وراء عدم قيام تنظيم "داعش" بشن هجوم ضد "إسرائيل"، وامتناع الأخيرة عن ضربه في الوقت الذي تشن غارات على مواقع للحكومة السورية، وعلى المقاومة اللبنانية.