لم تترك التحركات المستمرة في الشارع اللبناني، بسبب أزمة النفايات، فريقاً سياسياً لم تربكه، إلا أن حجم القلق الذي يعبّر عنه تيار "المستقبل"، من خلال مواقف أبرز مسؤوليه، قد يكون الأعظم، خصوصاً أنه لا يستطيع أن يرى إلا أن "حزب الله" يقف خلفها، عبر "​سرايا المقاومة​"، بغض النظر عن حجم المعاناة التي يشعر بها المواطن منذ سنوات طويلة.

في مواقف التيار ما يثير الريبة، يعلق بعض المسؤولين في قوى الثامن من آذار عليها بالقول: "تبنى رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ نظرية المؤامرة التي كان يتهمنا بها"، ويضيفون: "يتصرف "المستقبل" وفق نظرية البلد ماشي والشغل ماشي ولا يهمك".

في هذا السياق، تشير مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، إلى أن أغلب أركان الفريق الذي تنتمي إليه لم يعلقوا سريعاً على التحرك في الشارع، لا سيما مع إنحرافه عن الشعارات التي دعا المواطنين إلى التظاهر والإعتصام من أجلها، من خلال الحديث عن إسقاط الحكومة والمجلس النيابي والدعوة إلى إنتخاب رئيس للجمهورية، وتكشف أن هناك من شعر بأن المطلوب الضغط عليه لدفع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون إلى التنازل، بحجة الحفاظ على الإستقرار الداخلي.

وتعتبر هذه المصادر أن مسارعة قيادات في قوى الرابع عشر من آذار إلى محاولة ركوب الموجة، عبر دعوة المتظاهرين إلى البقاء في الشارع لحين الإنتهاء من الإستحقاق الرئاسي، ضاعفت من هذا القلق، خصوصاً أن أغلب المنظمين هم ممن يدورون في فلك الفريق الآخر في المواقف السياسية، وبالتالي لا يمكن بأي شكل من الأشكال الإطمئنان إلى تحركهم من دون طرح علامات إستفهام كثيرة.

وتشدد المصادر نفسها على أن قوى الثامن من آذار ليست مع الوصول إلى الفوضى، على عكس ما يروج بعض أركان الفريق الآخر، لا سيما أنها تدرك جيداً النتائج التي ستترتب على ذلك في الشارع، في ظل نمو الجماعات المتطرفة في العديد من المناطق، لكنها تؤكد أن هذا لا يعني السكوت عن الصفقات التي كان يجري الإعداد لها، وتضيف: "من هنا كان موقف "حزب الله" واضحاً في مجلس الوزراء، وفي البيان الذي أصدره لاحقاً، وقبل ذلك على طاولة الحوار مع تيار "المستقبل" في عين التينة".

بالنسبة إلى هذه المصادر، يتحمل "المستقبل" بشكل أساس المسؤولية عما وصلت إليه الأزمة على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، لا سيما أنه مسؤول عن هذا الشق من إدارة الحكم في البلاد طوال الفترة السابقة، وتلفت إلى أن قياداته كانت تتحدث عن هذا الأمر بشكل واضح في الفترة التي تلت خروج الجيش السوري من لبنان، وتعتبر أن من الطبيعي توجيه الإتهامات له، إلى جانب أفرقاء آخرين بعضهم موجود في قوى الثامن من آذار، إلا أنها توضح أن الشركات المسؤولة عن ملف النفايات معروفة الإنتماء والهوية.

في الجانب الآخر، تُصر مصادر نيابية في كتلة "المتسقبل"، عبر "النشرة"، على الحديث عن مخطط يقوم به "حزب الله" لاستغلال مطالب المواطنين بهدف الوصول إلى مرحلة المؤتمر التأسيسي، الذي دعا إليه أمينه العام السيد حسن نصرالله صراحة، وتشير إلى أن الحزب يبتعد عن الواجهة في هذه المرحلة ليتصدرها المنتسبون إلى "سرايا المقاومة"، إنطلاقاً من إعلان المنظمين في الحراك المدني عن دخول "مندسين" على الخط.

وتعتبر هذه المصادر أن ما يجري هو عملية إنتقام مبرمجة من كل "إنجازات" رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، من خلال إفتعال أعمال الشغب في وسط بيروت، بالإضافة إلى وضع ممثل التيار في الحكومة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في الواجهة، من خلال السعي إلى إفتعال المشاكل مع قوى الأمن الداخلي، التي حكماً لن تبقى في موقع المتفرج على ما يقوم به هؤلاء من عمليات "تخريب" ممنهجة، وتضيف: "إذا كان البعض يريد الضغط في الشارع لفرض مطالب حليفه أو الذهاب إلى إسقاط إتفاق الطائف، فإن هذا الأمر لن يحصل بأي شكل من الأشكال"، وتعتبر أن مفتاح الحل لا يزال في يد القوى التي تعطل إنتخابات رئاسة الجمهورية وترفض عودة العمل إلى مجلس الوزراء.

في المحصلة، تشدد المصادر النيابية في كتلة "المستقبل" على رفض وصف ما يحصل في الشارع اليوم بـ"الثورة الشعبية"، وترى أنها عمليات تخريب لا تنفصل عما حصل في شوارع بيروت خلال شهر أيار من العام 2008، وتؤكد أن المطلوب منها "الإرهاب" عبر "الشغب" بدل "السلاح"، نظراً إلى أن إستخدام الأخير ليس ممكناً في الوقت الراهن.