التظاهرات اليومية أشبه بباص واحد يركبه عدد من الركّاب كل له وجهته

هل تكرّس الفراق بين مكونات الحكومة، وانسدّت شرايين التواصل من أجل إعادة لمّ شمل مجلس الوزراء، أم أن ما يجري غيمة عابرة تُغادر فضاء السراي الحكومي في بحر شهر أيلول المقبل؟

صحيح أن الأجواء السائدة على المستوى السياسي تشي بأن هناك أزمة حقيقية باتت تنذر بتهاوي الحكومة وبالتالي الدخول في أزمة شديدة التعقيد لا تودي إلا إلى المجهول، غير أن التسوية التي يُقال أن الرئيس نبيه برّي ينسج خيوطها بتأنٍ شديد لكي تعطي أكلها وتجنباً لارتطامها بأي حائط، لأنها بذلك تترك تداعيات يصبح من الصعب إحتواؤها ومنع انفلات الأمور من عقالها.

والملاحظ أن الرئيس برّي الذي قد يُطلق الخطوط العريضة لهذه المبادرة - التسوية في مهرجان الوفاء للإمام السيّد موسى الصدر ورفيقيه الأحد المقبل في النبطية، لم يكن ليحرّك عجلته التسووية لو لم يكن قد لمس وجود بيئة حاضنة لمثل هذا التحرّك عند جميع الأفرقاء، هذا إلى جانب المباركة الإقليمية والدولية لهذا الدور التوفيقي الرامي إلى تحصين الساحة الداخلية ومنع إنزلاقها إلى التهلكة.

ومَنْ يرصد المقر الثاني في عين التينة يشعر ارتفاع منسوب الحراك في اليومين الماضيين إن على صعيد حركة الموفدين أو عبر الاتصالات التي قام بها الرئيس برّي مباشرة في اتجاه المصيطبة وكليمنصو وربما خارج الحدود باتجاه الرئيس سعد الحريري طارحاً جملة من الأفكار الرامية إلى تجنيب الحكومة اللحاق بركب الفراغ والشلل المهيمنين على القصر الجمهوري ومجلس النواب، وقد لقيت هذه الأفكار التي ما تزال ربما بحاجة إلى تدوير زوايا لكي تتبلور أكثر وتصبح ناضجة في أقرب وقت تأييداً من قبل الذين تشاور معهم رئيس المجلس، ولم تلقَ رفضاً من قبل الذين جال عليهم وزير المال علي حسن خليل موفداً من رئيس المجلس وفي مقدمة هؤلاء العماد ميشال عون و«حزب الله».

هذه الأجواء شجعت الرئيس برّي على المضي في تحركه وهو انطلق من هذه المناخات بإطلاق تمنِّيه على الرئيس تمام سلام التريث بالدعوة لعقد جلسات مجلس الوزراء الذي سارع إلى التجاوب مع هذا الطلب إفساحاً في المجال امام الاتصالات الرامية إلى لمّ الشمل الحكومي وتجنب الدخول في المزيد من المربعات المعقدة التي تزداد يومياً والتي قد تؤدي إلى تعطيل عمل الحكومة بالكامل.

وتؤكد مصادر سياسية متابعة ان الرئيس برّي الذي لا يُخفي ارتياحه للمسار الذي آلت إليه اتصالاته ومساعيه والذي نجح من خلالها من تفكيك صاعق التفجير الذي كان يتهدد مجلس الوزراء، سيعكف في اليومين المقبلين على جوجلة بعض الأفكار والطروحات التي تمّ تداولها بشأن رأب الصدع الحكومي وتبريد التأزم السياسي الذي كان هناك خوفٌ من ارتفاع منسوبه، وإذا وجد ان النتيجة التي خلص إليها قابلة لتحقيق النتائج المرجوة فإنه سيعاود اجراء مروحة من الاتصالات والمشاورات بشأنها بعد الانتهاء من مهرجان الامام الصدر يوم الأحد.

وفي رأي هذه المصادر ان الرئيس برّي سينجح في مسعاه لاعتبارات عديدة، فإلى جانب العناية الفائقة التي يحيك من خلالها رئيس المجلس مبادرته، فإن الأفرقاء السياسيين يحرصون على بقاء الحكومة وهذا بحد ذاته هو يعتبر قوة دفع لرئيس المجلس للمضي في تسويق طروحاته، هذا بغض النظر عن المظلة الإقليمية والدولية التي ما تزال تقي الحكومة مخاطر السقوط.

وتكشف المصادر عن ان مقاطعة وزراء عون وحزب الله أمس الجلسة ساهمت إلى حدّ كبير في تمرير العديد من الملفات الملحة كرواتب الموظفين ومعاشاة التقاعد وتأمين التغذية للجيش، وقبول الهبات المقدمة لبعض الوزارات والمؤسسات والاجازة للحكومة إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية، من دون ان تستبعد المصادر ان يكون ما حصل سيناريو اتفق عليه من ضمن البنود التي تمّ تداولها في إطار التسوية - المخرج التي يعمل عليها رئيس المجلس، وأن هذا الأمر حصل برضى كل الأطراف.

وإذ تتوقع المصادر ان يكون المؤتمر الصحافي المقرّر للعماد عون تصعيدياً ضاهرياً غير انه في المضمون سيكون أقل حدة، بحيث ان تجميد نشر المراسيم في الجريدة الرسمية قد برّد الأجواء بعض الشيء، وأن نزول أنصار عون إلى الشارع تحت عنوان التعدّي على حقوق المسيحيين وتجاهل صلاحيات وزرائه بالنيابة عن رئيس الجمهورية في ظل الفراغ الرئاسي قد يسقط من أجندة عون بحيث يكتفي في إعلان موقف اعتراضي وربما يتطور الأمر باتجاه تعليق حضور جلسات مجلس الوزراء التي هي في الأصل قد تتوقف لأسبوعين أو ثلاثة في إطار تهيئة المناخات لإعادة المياه إلى مجاريها بين مكونات الحكومة.

وإذا كانت هذه المصادر مرتاحة لأجواء الاتصالات الرامية إلى فرملة التأزم السياسي ومنع جنوحه في اتجاه تصعيد اللاعودة، فإنها لا تخفي قلقها من تحركات الشارع لجهة لجوء البعض إلى صرفها عن مسارها باتجاهات أخرى قد تؤدي إلى التوتر الأمني.

وترى ان كل فريق يغني على ليلاها في ما خص التظاهرات التي أصبحت شبه يومية، وتشبه ذلك بالباص الواحد الذي يصعد إليه عدّة ركاب وكل راكب يقصد منطقة مختلفة عن الراكب الآخر.