لا توفر عائلة الامام المغيب السيد موسى الصدر مناسبة او مؤتمراً او حدثاً دولياً او عربياً او محلياً وعلى مدار ايام العام للبحث والتفتيش ومتابعة قضيته ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. ومن يعرف نجله السيد صدر الدين وشقيقته السيدة رباب وكل العاملين في مؤسسات الصدر عن قرب، يدرك مدى ابعاد هذا الحراك، لكنه للاسف لم يثمر حتى الآن في الكشف عن مصير هؤلاء الثلاثة الاحبة وخصوصاً في ظل تلكؤ وتخاذل سلطات ليبيا بعد الثورة ولا سباب غير مفهومة او واضحة. ومصير الثلاثة الغامض مشابه لعشرات ومئات اللبنانيين الذين فقدوا خلال الحرب الاهلية ولم يعرف عنهم شيئا حتى الآن وكأن الخطف والاحتجاز القسري امر مفروض على لبنان واللبنانيين وله في تجربة العسكريين المخطوفين لدى تنظيمي داعش والنصرة الارهابيين مثال حي.

هذا العام تحضر ذكرى تغييب الامام الصدر ورفيقيه في مناسبتين الاولى والتي تقيمها حركة امل على غرار عادتها في 31 آب من كل عام بمهرجان مركزي يتحدث فيه رئيس الحركة ومجلس النواب الرئيس نبيه بري. كما ستكون هناك محطة ثانية في 5 ايلول لفكر الامام الصدر وتجربته في العيش المشترك ونصرة الجنوب ابان الاعتداءات الاسرائيلية من هيئة نصرة الجنوب الى عدوان العام 1978 مروراً بجهوده لوقف الحرب الاهلية واعتصامه الشهير في مسجد الصفا الى تكاتفه وحراكه الدائم مع كل الطوائف والمذاهب ضد الحرب والفتنة والتقسيم وحماية المقاومة الفلسطينية وتأسيس حركة المحرومين. هذه المحطة هي كناية عن المؤتمر الفكري الوطني الذي ينظمه "لقاء الفكر العاملي" وهو احد المؤسسات العاملة في كنف ورحاب فكر المرجع المجدد الفقيه السيد محمد حسين فضل الله. كما سيتطرق المؤتمر بالاضافة الى تجربة الصدر لكل من البطريرك الماروني الراحل انطونيوس خريش والمفتي الشهيد حسن خالد والمرجع السيد فضل الله والشيخ الجليل ابو حسن عارف حلاوي.

في مؤتمر "امل" في النبطية هذا العام تكتسب المناسبة بعداً هاماً وهو البعد الجماهيري اولاً لكون عودة "الحركة" عن الغاء المهرجانات الشعبية بسبب التهديدات التكفيرية والتفجيرات الانتحارية حيث نصحت حركة امل والرئيس بري في العام الماضي وقبله بضرورة عدم إقامة التجمعات الشعبية والجماهيرية والتي عادة ما تكون بعشرات الآلاف من الجنوبيين وخصوصاً في ذكرى العاشر من محرم وذكرى الامام الصدر. وتمنع الاعداد الغفيرة من الناس رجال الامن من التحكم في حركة الارهاب والانتحاريين والتكفيريين كما يصعب ضبط حركة كل شخص في مكان الاحتفال. ومع انخفاض درجة التهديد الى حدوده الدنيا عادت امل الى سيرتها الاولى لاحياء ذكرى الصدر والذي تقدمت قضيته اخيراً سنتيمتراً واحداً اذا جاز التعبير بعد اقرار القضاء الايطالي ان الامام الصدر لم يدخل الاراضي الايطالية ما يؤكد المسؤولية الكاملة لنظام المقبور الطاغية معمرالقذافي عن جريمة الخطف والاخفاء.

وفي انتظار ان تثمر الجهود التي تبذل من الرئيس بري وعائلة الامام الصدر واللجنة الوزارية اللبنانية المكلفة بمتابعة القضية، تأتي إطلالة الرئيس بري غداً في توقيت هام لا سيما لجهة المواقف التي سيطلقها "ابو مصطفى". وتؤكد اوساط سياسية انه سيطلق مبادرة حوارية على مستوى ممثلي الحكومة وستكون عناوين الازمات اللبنانية اطباقها الاساسية، من استئناف التشريع الى تسيير امور الناس في بعض القرارات الحيوية التي يتوجب اقرارها في مجلس النواب الى الحفاظ على الحكومة وتماسكها. وتشير الاوساط الى ان الرئيس بري ومن منطلق حرصه الوطني على السلم الاهلي وبقاء الحكومة ومجلس النواب في عافيتهما سيسعى جاهداً لتثبيت هذا الاستقرار رغم هشاشته وخصوصاً ان ما ورده من التحقيقات الجارية مع بعض الموقوفين تؤكد ما كان يحذر منه وينبه اليه. فالمخطط المرسوم كان انفلات الشارع وتسعير الفتنة وركوب الموجة الشبابية والشعبية المحقة بالاصلاح وتحقيق المطالب المشروعة وتحسين الظروف الاجتماعية للبنانيين. ويورد احد الموقوفين اعترافات بالصوت والصورة بالاهداف التي كان رأس اولوياتها سقوط عشرات الضحايا وسفك دمائهم في الشارع لتفجير الاوضاع مقابل مبالغ مالية وحوافز قدمتها دول واحزاب وجهات امنية وحزبية.

المبادرة الحوارية ستترافق مع مساع يقودها بري وحزب الله والنائب وليد جنبلاط وتنص على النظر في قضية المراسيم الـ70 واعادة "ترشيق" مبادرة اللواء عباس ابراهيم المتعلقة بتقاعد الضباط لتشمل 12 عميداً وترقيتهم الى رتبة لواء وعدم إغراق الجسم العسكري برتبة عميد والافساح في المجال للترقية الطبيعية للمستحقين من رتبة عقيد وما دون.

وفي حين تبدو نتائج الحراكات الخارجية والدبلوماسية في ما خص الازمات العربية عموماً وسورية خصوصاً، غير واضحة المعالم الجغرافية والزمنية بعد، يترنح لبنان كهيكل اجوف رخو وتلعب به ريح المصالح المحلية والدولية والاقليمية ويميل مع كل نسمة هواء كيفما واينما هبت.