بإستثناء جلسات إنتخاب الرئيس الفولكلورية التي يدعو اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ولو من دون نصاب، وبإستثناء الحركة الخجولة التي يزرعها في أرجائه عمال التنظيفات وعناصر الشرطة التابعين لقوى الأمن الداخلي، إضافة الى ضباط الجيش وعسكرييه، يمكن القول إن مبنى المجلس النيابي قد تحوّل الى مدينة أشباح في زمن بات فيه التشريع في خبر كان.

هذا في مبنى القاعة العامة ومحيطها، أما في الجناح الخاص بمكاتب النواب، فكانت الحياة هناك لا تزال قائمة حتى نزول الشباب الى الشارع إعتراضاً على أزمة ​النفايات​. إجتماعات ولو متقطعة لبعض اللجان النيابية، ونواب من كافة الكتل كأحمد فتفت وآلان عون وسيمون أبي رميا ومحمد قباني وعلي فياض و​قاسم هاشم​، على سبيل المثال لا الحصر، إعتادوا منذ إنتخابهم وحتى التمديد الأول والثاني لولايتهم، أن يستعملوا مكاتبهم، تارةً للإجتماعات السياسية، وتارةً أخرى لإستقبال الصحافيين وإجراء المقابلات، هذا من دون أن ننسى متابعة طلبات الخدمات التي تردهم من دوائرهم الإنتخابية.

كل ذلك كان قبل حوالى أسبوع، أما اليوم، فإليكم هذا المشهد الجديد.

تتصل بنائب من هؤلاء الذين إعتادوا إستعمال مكاتبهم بهدف لقائه والحصول منه على مقابلة صحافية أو معلومات عن ملف ما، فيأتيك الجواب "أهلا وسهلا، ساعة يلي بدك، أنا بالبيت". نائب آخر يرد "أنا بالمكتب". وعند الإستيضاح عبر السؤال "مكتب مجلس النواب؟" يقاطعك على الفور "أعوذ بالله، ليش فينا نوصل لتحت، دا كان زمان".

من ضمن هذا المشهد الجديد، يروي نائب في "​كتلة المستقبل​" أنه وبينما كان يجري مكالمة هاتفية داخل سيارته، قال لسائقه "روح بإتجاه المكتب" وأكمل المكالمة. وبسبب إسترساله بالحديث مع المتصل، لم يركّز على وجهة السير التي إتخذها السائق، ليرى نفسه فجأة في شارع المصارف، أي في طريقه الى أحد المداخل الأمنية المؤدية الى ساحة النجمة حيث مبنى مكاتب النواب، فما كان به إلا أن صرخ بالسائق "لاه لاه لاه يا مجنون لوين جايبنا بدك تْروّحنا، هلق بيهجموا علينا المتظاهرين وما منعود نخلص، قلتلك خدني عالمكتب يعني على مكتبي الخاص، ومن اليوم ورايح ما بقى نجي على مجلس النواب إلا ما تخلص التظاهرات".

على هامش هذه الرواية، تكشف المعلومات أن نائباً آخر طلب خلال الأسبوع الفائت من إحدى الشركات التي تعمل في مجال التنظيفات المنزلية، إعادة تأهيل مكتبه الخاص القريب من منزله والذي لم يستعمله منذ سنوات، وذلك لنقل إجتماعاته اليه خلال هذه المرحلة التي لن يستطيع فيها النزول الى مجلس النواب.

حتى لو أن للمجلس مداخل عدة مخصصة لسيارات النواب، وحتى لو أن هذه المداخل ليست قريبة من ساحتي رياض الصلح والشهداء، حيث تتركز التظاهرات، لا يجرؤ النواب على المخاطرة، وهنا تقول أوساط نيابية، "لا نعرف متى تنتقل هذه التظاهرة من ساحة رياض الصلح الى شارع المصارف، ولا نعرف متى تتوجه مجموعة من المتظاهرين الى شارع العازارية، وبالتالي لسنا مضطرين الى التعرض للإهانة".

أمام هذا المشهد، لا بد من طرح السؤال، إذا كان الحضور في جلسات إنتخاب الرئيس يقتصر قبل التظاهرات على أربعين نائباً فقط، فماذا عن هذا الحضور بعده؟ وهل يلجأ بري الى تجميد دعواته لهذه الجلسات حتى تعود الحياة الى طبيعتها في محيط مقر الرئاسة الثانية والثالثة؟

إذاً هجر النواب مكاتبهم الى أجل غير مسمى، والمجلس بات كمدينة الأشباح، بكل ما للكلمة من معنى، فهل يدفع هذا المشهد الجديد ببعضهم الى الإستقالة خجلاً من الواقع المأساوي الذي فرضوه على الشعب ومما يفرضه الشعب عليهم؟