أكد رئيس الحكومة ​تمام سلام​ في حديث لصحيفة "الراي" الكويتية أنه لم يفاجأ بالاحتجاجات الشعبية، وخصوصاً في الجانب الاجتماعي المطلبي منها، "لطالما حذرتُ القوى السياسية من التمادي في سلوك التعطيل الذي امتد من رئاسة الجمهوية الى البرلمان فالحكومة"، لافتاً الى أن "أكثر ما كنتُ أنبّه منه على مدى أكثر من عام هو إدارة الظهر لقضايا الناس واستخدام لقمة عيشهم وحقوقهم في التجاذبات وجعلهم ضحايا لتصفية الحسابات، لأن هذا المنحى هو أقصر طريق للانفجار الشعبي".

وشدد على أن "أكثر ما يهمني هو هؤلاء الشبان والشابات الذين تظاهروا. انا لستُ زعيم تيار أو رئيس حزب أو شريكاً في محاصصة أو طامحاً لمسألة شخصية، أنا من الناس وأتحسس وجعهم وجهدتُ لأكون صوتهم، لكن النفايات السياسية لم تعر اهتماماً لقضايا الشعب الذي ازداد تقهقراً بفعل الحسابات الفئوية"، عازيا تمادي أزمة النفايات وانسداد الأفق امام ايجاد مخرج لها الى هذه الحسابات فـ"الحلّ هو بتماسُك الحكومة واسترداد هيبة الحكم وتقديم خطة لمعالجة النفايات تكون الدولة قادرة على تنفيذها، بمعزل عن تصفية الحسابات السياسية بالنفايات والشعبوية لتسجيل نقاط لهذه الجهة او تلك".

كما جدد سلام تأكيده أنه لن يتخلى عن المسؤولية في لحظة بالغة الحراجة يمرّ بها لبنان، لكن لسان حاله "ان للصبر حدوداً وصبري من صبر الناس الذي بدأ ينفد، لذا على القوى السياسية تَدارُك الموقف والعودة الى تغليب المصلحة الوطنية العليا ومصلحة الناس على ما سوى ذلك من مسائل".

وتعليقاً على تجمع الهيئات الشبابية أول من أمس في ساحة رياض الصلح والحشد الذي حصل خلاله قال سلام أمام زواره: "الناس فشت خلقها وأعربت عن غضبها، وهذا مشروع. وهو غضب لم يأتِ من فراغ، بل من إهمال وتراكم وسياسات وصدامات سياسية نتج منها عدم إيجاد حلول ومخارج لكثير من الاستحقاقات أبرزها تلبية حاجات الناس الحياتية اليومية التي تساعدها على الاستمرار والصمود، والنفايات أحد الملفات الكبرى التي أدى الصراع السياسي حولها الى ان تصبح في صلب المواجهة التي تتحمل مسؤوليتها الطبقة السياسية".

وأوضح سلام أنه "صحيح أن هناك جهات تحرض وتؤجج وموجودة في أجواء ثورة وانقلاب سياسي، تشبه بالذي جرى في بلدان أخرى، في وجه ديكتاتوريات وأنظمة قمعية، لكن في لبنان ليس هناك وضع كهذا، لأن هناك نظاماً ديموقراطياً عريقاً يسمح للناس بأن تعبّر، وطالما هناك هذا التعبير السلمي، لا بد من أن يشتد ويستمر الى أن تعي القوى السياسية الأخطار التي تحدق بالبلاد".

وركز على "أولوية إنهاء الشغور الرئاسي كمقدمة لمعالجة الكثير من المشاكل"، قائلاً: "المعروف أنه في هذه الدوامة، هناك سعي دولي وإقليمي للتصدي لشؤون المنطقة، خصوصاً بعد الاتفاق على النووي الإيراني، الذي أفسح مجالاً للالتفات الى قضايا أخرى. ولبنان ليس من الأولويات قياساً الى حجم المصائب الكبيرة من الوضع السوري الى اليمن وليبيا والعراق، لكن هذا لا يعني أن الحل في لبنان غير ممكن، فهو الأسهل منالاً من كل الملفات الأخرى، التي تحتاج الى كثير من المساعي والترتيبات والمؤتمرات. فموضوع لبنان هو انتخاب رئيس للجمهورية من أجل اكتمال الجسم الديمقراطي والدستوري، وبالتالي يفترض ألا يأخذ جهوداً كثيرة من الدول. فالتجارب تثبت أنه حين تتفق الدول يتم إيجاد الحل"، معتبراً ان "انتخاب رئيس في لبنان لا يحتاج الى تحريك قوى كبرى وإجراءات جغرافية. وصحيح ان انتخاب الرئيس لا ينفي استمرار الصراع السياسي في لبنان والحاجة الى رعاية لبنان دولياً واقليمياً، لكن إذا بات لدينا رئيس نكون استكملنا ما يحتاجه البلد ومؤسساته ونظامه الديموقراطي ونكون أعطينا متنفساً لمعالجة قضاياه".

وسأل الزوار سلام عن كيفية تعاطي الحكومة مع المطالب التي رفعها الحراك الشبابي والمدني، فأوضح وفق ما نقل هؤلاء عنه: "انكم شاهدتم كيف تعاملنا مع تظاهرة السبت ومرت الأمور بهدوء وسلام وحمينا المتظاهرين، وحاول البعض افتعال الشغب وكان واضحاً كيف سعت القوى الأمنية الى احتوائهم وآمل بأن يتم احتواؤهم في كل مرة تحصل تجمعات، هي من حقوق الناس. لكن ماذا إذا استمرت محاولات الشغب وصعب احتواؤها مستقبل؟".

وعن مطالب المتظاهرين سواء التي تتعلق باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق أو غيرها، اكد سلام ان "الحكومة تتألف من القوى السياسية وهي ائتلافية. والأمر يعود الى هذه القوى، الحكومة شبه مشلولة وشبه عاجزة، فليدعموا دورها ويتيحوا لها اتخاذ القرارات الحازمة والقوية في شأن الملفات وأبرزها النفايات. الوزير المشنوق ليس وحده المسؤول"، مشيراً الى ان "تمكينها من العمل يسمح للدولة بفرض هيبتها. وإذا كان الحكم مستضعفاً، ويريدون ذهاب الحكومة، ففي لحظة انتخاب رئيس الجمهورية تذهب الحكومة ويصبح الخيار أمام حكومات ربما أكثر انتاجية ووحدة وقوة. ما يحول دون استقالتها هو الخشية من الفراغ والفوضى اللذين لا يعرف أحد عواقبهما وسلبياتهما. وفي ظل الحجز القائم على معالجة الملفات فينشأ واقع من المؤكد ان تظاهرة من 20 ألفاً أو 200 ألف قد تنزل. لكن هذا لا يحل المشكلة وقد يؤدي هذا الوضع الى مزيد من الخراب والانهيار والأذى على كل اللبنانيين".

وأردف: "لنذهب الى انتخاب رئيس. والحريص على البلاد والعباد، بمن فيهم الناس الذين يعبرون عن قضية نتفهمها في هذه الظروف الشائكة، يدرك ان هذا هو الحل"، مضيفاً: "ليكن الضغط من أجل انتخاب رئيس. لا يكفي القوى أنه لم تعد لدينا ثقة في أحد وليستقل النواب والحكومة، ثم نذهب لانتخاب الطبقة السياسية نفسها ثم لا نحاسبها. لتكن الدعوة الى تفعيل البرلمان كي ينتخب رئيساً، وليس لتهديم المؤسسات".

واذ لفت سلام الى أنه "استجاب الى تمني رئيس المجلس النيابي نبيه بري التريث في دعوة مجلس الوزراء مجدداً بعد الخلاف على إصدار بعض المراسيم وقرارات الحكومة الأخيرة نظراً الى رغبته الدائمة في إعطاء الفرص لاتصالات تتوصل الى مخارج لتفعيل عملها، ولأن الرئيس بري مكون أساس في هذه الحكومة"، مؤكداً "ليست المرة الأولى التي نتريث. قبل أسبوع، تريثنا في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد. وقبل 3 أسابيع تريثنا وقبل حوالي 3 أشهر تريثنا. لكن إذا كانت الحكومة ستبقى من دون إنتاج فلماذا بقاؤها؟"، مشيراً الى أنه "إذا لم تنجح الاتصالات في تذليل العقبات فإنه سيأتي وقت لا يستطيع ان يحتمل ما ي