لا تأخذ الامور في لبنان الكثير من الوقت لتنتشر، خصوصاً منها بعض المصطلحات والتعابير التي سرعان ما تصبح "موضة" فيتبناها الناس ثم الاعلام لتتحول الى شعار ورمز سرعان ما يصبح على كل شفة ولسان.

هذا الامر ينطبق ايضاً للاسف على السياسة، حيث يسير الكثيرون من السياسيين والمسؤولين في تبني شعار معيّن اطلقه احدهم اما من اجل تحوير الانظار او لغاية شخصية لا علاقة لها بالمصلحة العامة. احد هذه الشعارات هو "انتخاب الرئيس هو الحل"، وما ان اطلق هذا الشعار حتى انتشر كالنار في الهشيم وبات كل مسؤول وزعيم يضمّن خطابه وموقفه، هذه العبارة السحرية التي يعتقد انه يمكنه من خلالها الاستخفاف بالناس وبعقولهم.

ينقسم السياسيون في تبنيهم هذه العبارة، الى قسمين: قسم يعتقد انه من خلال هذا الشعار يخطب ودّ المسيحيين ويحافظ على حقوقهم والشراكة اللبنانية، وقسم آخر يرغب في تحميل رئيس الجمهورية (غير الموجود) مسؤولية حل المشاكل المستعصية في لبنان. ولكن في الواقع، لا صحة لما يقوله اي من القسمين من السياسيين حول هذا الموضوع، والعبرة يمكن اخذها من التجارب السابقة.

بعيداً عن العاطفة، وعن اهمية الموقع الرئاسي بالنسبة الى المسيحيين، يجب التوقف عند بعض الملاحظات المشروعة التي ندعو اصحاب عبارة "انتخاب الرئيس هو الحل" الى قراءتها ملياً:

1- لا يمكن ان يشكل انتخاب الرئيس حلا لتوحيد المسيحيين وبالاخص الموارنة. فكل زعيم ماروني يعتبر نفسه مؤهلا اكثر من غيره لتبوؤ هذا المنصب، وبالتالي من شأن وصول احدهم زيادة الشرخ مع الآخرين. ولا يمكن الركون الى ان الرئيس التوافقي سيضمن وحدة الصف المسيحي الماروني، لان تجربة الرئيس السابق ​ميشال سليمان​ خير دليل على ذلك.

2- لا يمكن ان يشكل انتخاب الرئيس حلاً للمشاكل الحياتية التي يعاني منها لبنان. فحل مشاكل النفايات، الكهرباء، المياه، الطبابة، سلامة الغذاء والضمان الصحي... كلها امور لا يمكن للرئيس ان يحلها، لان صلاحياته تمنعه من ذلك، وجلّ ما يمكن ان يفعله هو الاجتماع بالوزراء المعنيين ومتابعة ما يقومون به و"التمنّي عليهم" العجلة في تحسين مستوى الخدمات.

3- لا يمكن ان يشكل انتخاب الرئيس حلاً للمشاكل السياسية التي يعاني منها لبنان، فالرئيس سيكون امام ملفّات شائكة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: العلاقة مع سوريا (النظام والمعارضة)، سلاح "حزب الله" (في لبنان وسوريا)، قانون الانتخاب (اي صيغة يجب اعتمادها)، التعيينات العسكرية والمدنية، صلاحيات رئيس الجمهورية ومدى امكانية تعديلها، معالجة الاشكالات الدستورية التي اختبرها لبنان منذ فترة واطلقت حولها تفسيرات دستورية مختلفة...

لا يمكن للرئيس ان يحل هذه المشاكل لانه بكل بساطة سيعتبر انه مع فريق ضد آخر، وستنقسم المواقف ضده في الحكومة وخارجها، وسيصبح جزءاً من المشكلة بعد ان كان "جزءا من الحل".

4- كل هذه الملفات والمشاكل كانت موجودة ولو بنسب متفاونة، في العهود السابقة، وآخر عهد شهدناه هو عهد الرئيس السابق سليمان الذي لم ينجح في حل اي من المشاكل التي طرحناها آنفاً وغيرها ايضاً، حتى انه انهى عهده بخلاف مع زعماء موارنة وشريحة من اللبنانيين توازي على الاقل نصف الشعب اللبناني.

من هنا، يمكن القول ان انتخاب رئيس للجمهورية هو حل بالنسبة الى الحكومة ومجلس النواب ورئيسيهما فقط، اذ يصبح هناك من يلام على كل هذه الامور. ففي وقت يخرج رئيس مجلس النواب نبيه بري ليشكو التعطيل النيابي، ورئيس مجلس الوزراء ​تمام سلام​ ليشكو تعطيل مجلس الوزراء، لا يجدان الا غياب رئيس الجمهورية لالقاء اللوم، فيما لو كان حاضراً لكان اللوم عليه شخصياً ولأصبح هو المشكلة الاساس التي لا تصطلح الامور دون ان يتدخل فيها، ولو بغياب اي صلاحيات دستورية.

لذلك، على الرغم من كل ما يقال، يرتاح المسيحيون لمعرفة انهم حالياً خارج اللعبة وان الازمة التي يعاني منها لبنان لا يمكن اشراكهم فيها لان رئيس الجمهورية غير موجود، ولكنهم سرعان ما سيتحولون الى "وقود هذه المشاكل" فور انتخاب رئيس للبلاد، لان التسوية التي ستشهدها المنطقة سياسية وليست حياتية. بمعنى آخر اذا ترافق انتخاب الرئيس مع حل شامل لازمة المنطقة، تخطى لبنان ازمته السياسية والامنية ربما، ولكن ستبقى المشاكل الحياتية تتفاقم وسيكون الرئيس شاهداً بشكل فعلي، ومتهماً بشكل نظري.