منطقي جدا بعض ما يطالب به جيل الشباب، الشباب لا يخطئون في مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم لأن مطالباتهم عفوية وصادقة ونابعة من معاناتهم ومن واقعهم المؤلم، وأكثر من يعرف هذه المعاناة هو نحن الأهل لأننا في تماس يومي مع ابنائنا وأحفادنا ونعرف حجم هواجسهم للمستقبل، ففي كل بيت عيَّنة من هذه المعاناة، كما اننا بصفتنا الصحافية فإننا على تماس يومي مع معاناة الشباب، فإذا راجعنا أي أرشيف مطلبي أو أي سلسلة مقالات لوجدنا هذه المطالب اما بشكل يومي وإما بشكل اسبوعي، ولكن بشكل دوري دائما في هذه المقالات والافتتاحيات، فمنذ أكثر من عقدين من الزمن، اي منذ انتهاء الحرب، وهذه الصفحات تعج بالتغطيات المطلبية والمواقف الداعية الى تحقيق طموحات الناس.

فمن لا يريد ان يجد الخريجون في الجامعات فرص عمل؟

ومن لا يريد ان تكون الكهرباء والمياه والهاتف والانترنت مؤمنة؟

من لا يريد سلامة عامة في الغذاء والدواء؟

من لا يريد قوانين شفافة تطبَّق على الجميع من دون استثناء؟

من لا يريد لكل متقدم الى وظيفة ان يصل بكفاءته لا بوريقة توصية من هذا الزعيم أو ذاك؟

هذه وغيرها الكثير الكثير، مطالب محقة، وقد نجح جيل الشباب والمجتمع المدني، في أول اطلالة جدية لهم، في بلورة هذه المطالب، ولكنهم حددوا حتى يوم غد الثلاثاء لتحقيق ما طالبوا به تحت طائلة العودة الى الشارع.

إذا، البلد عند السادسة من مساء غد على موعد مع الاستحقاق الثاني للنزول الى الشارع، أو استحقاق بدء تنفيذ المطالب التي رفعت مساء السبت.

لكن، ووفق استطلاع أولي، فإن هناك استحالة لتكون كل المطالب محققة حتى مساء غد:

فوزير البيئة محمد المشنوق رد على المطالبة باستقالته باعلانه انه ليس في وارد التخلي عن المسؤولية ، لأنه أمر لم يعتده في حياته، وانه ليس المسؤول الوحيد عن أزمة النفايات بل هناك مسؤوليات مشتركة.

إذا هذا سبب أساسي لعودة المجتمع المدني الى الشارع مساء غد، فرد وزير البيئة استفزازي بامتياز، وكان يمكنه ان يضع القضية في عهدة رئيس الحكومة اذا كانت المسؤولية مشتركة كما يقول.

كما ان المطالبة بمحاسبة وزير الداخلية ليست في محلها، فهو أكد انه سيعلن نتائج التحقيق في ما خصّ الاستعمال المفرط للقوة في التظاهرة الاولى، فهل يُحاسب قبل اعلان نتيجة التحقيق؟ ثم هل قرأ المطالبون جيدا ما حققه وزير الداخلية قبل المطالبة بمحاسبته؟

ان خارطة الطريق واضحة ولا لبس فيها، وهي تبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، اما البقية فتأتي. اما استقالة الحكومة فهي ليست واردة لدى أي من القوى السياسية، والمطالبة بهذه الاستقالة تساوي استدراجا للفوضى والفراغ.

ان خارطة الطريق رسمها تيار المستقبل من خلال وضعه الاصبع على الجرح والاعلان انه لا مفر اليوم من دعوة كل القوى السياسية الى الاصغاء جيدا لأصوات الشباب والشابات، والاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والمبادرة الى اطلاق ورشة اصلاح حقيقية تؤمن الحلول للأزمات المعيشية التي تنغص على اللبنانيين عيشهم، واتاحة المجال لكل الطاقات الشبابية والفكرية والثقافية والابداعية للمشاركة في صياغة مستقبل لبنان.

اذا اعتُمِدت خارطة الطريق هذه، يمكن القول اننا بدأنا نرى الجانب الآخر من النفق.