من أنا لأكتبَ عنك ومن أنتَ لأكتبَ عنك. المعادلة منصفة إنسانيًا حتى الآن. منصفة بالنسبة الى واحدٍ من كارهي صيغة المخاطب الوعظيّة المُتخَم منها لبنان لكثرة محبّيها من غير مجيديها في الضرورة. كما آسفك وأسرّك أن تكون بطل “نبش الماضي” غير المشرّف أقله بالنسبة الى شريحة كبيرة ممن خدش ماضيك “الفايسبوكي” شيئًا من تعاطفها لا من إيمانها، يسرُّنا ويؤسفنا أن نخبرك بما تعرفه أنتَ أصلاً.

ألم تلمَح في إحدى تظاهراتك سيّدة كسروانية تريد هي الأخرى التخلص من نفايات الوطن وتبحث عن كهرباء ومياه ومستقبل لشبابها؟ حكمًا فعلت وحكمًا لم تُغفِل أن تلك السيّدة كانت تضع سلسلة ذهبيّة مذيّلة بصليب. كثيرون مثلها يا رجل، ينزلون الى ساحة كانت لك يدٌ في استيلادها وتحت قمصانهم سُبحات أو سيوف أو آيات. كثيرون من هؤلاء نزلوا مع كلّ شعائرهم المخبأة وربما سيفعلون مجددًا رغم ما كتبت عن معتقداتهم ذات يوم. أتعلم لمَ؟ لأن هؤلاء يفهمون العلمانية ربّما أكثر مني ومنك. لأن هؤلاء يعرفون أن رغيفهم لا طائفة له وأن “البريستيج” الاجتماعي لا ينفعهم عندما تعجز أقدامهم عن خرق أكياس النفايات المتكوّمة أمام مداخل بيوتهم أو أبنيتهم.

من أنا لأكتب عنك ومن أنتَ لأكتبَ عنك. المعادلة ما زالت منصفة حتى الآن. ألستَ أنت “المتفوّه” الذي جذبتَ بحماستك المئات ممن كانوا يتسمّرون خلف شاشاتهم يهزؤون بحراككم؟ ربما ستكون أنتَ ذاتك من “سيهشّل” هؤلاء، ليس لأنك هاجمتَ زعيمًا يؤيّدونه في قرارات أنفسهم، وهذا ليس شأننا يا أستاذ ذبيان لأننا نحكم على ما نرى لا على ما يقولون، ونشاطر حراكَكم خطوطًا عريضة جمّة، بل لأنك لم تحترم إحدى أبرز قواعد العلمانية التي تدّعيها. لم تحترم قاعدة احترام خيار الآخر على أن يكون بيتُه مسرح ممارساته. لم تحترم صلب قاعدة الفصل بين الدين والدولة فقرّرت ألا تفصل بين العلمانية والشتيمة... تلك الشتيمة الموجعة التي أكثر ما يوجع فيها أنها تتبنى أسلوبًا بذيئًا يليق به شعار حملتكم تمامًا. شئتَ أن توصّفه بالمزاح وما هو بذلك. إنه شتيمة معلنة على “اجتزائها” -متى كان هناك اجتزاء- لنصف من يشاركك الساحة عينها وأكثر.

نعم هو نبشُ ماضٍ، ولكن حقيقة أنه ماضٍ لا تغيّر في مستوى نظرتك الى معتقدات مَن كان (مع التشديد على الفعل الماضي الناقص) من المفترض أن تبني معهم وطنًا صحيًا، ولو لم يكن كذلك لعدتَ الى حسابِك وراجعتَ حسابَك ومحوتَ بعضًا من تلك “الترّهات” التي تشوّه صورة حملتك قبل صورة شخصك، ولأسقطها تحت عنوان “صفحة مدنيّة جديدة لا تهين الأديان ولكنها تحجّمها مؤسساتيًا”. لم تفعل ذلك، لا بل أمعنتَ في مقارناتٍ ساقطة أقله في ذهن من عاد يشكّك في جدوى نزوله الى الشارع طالما أن مفهوم “فصحك” غير فصحهم ولك الحقّ في ذلك بلا بذاءة وإيحاءات جنسيّة، وطالما أن نبيّك غير نبيّهم ولك الحق في ذلك أيضًا بلا فُكَر كاريكاتوريّة قذرة، وطالما أن مفهومك للعلمانية التي تسوّغها “بنبش الماضي” غير مفهومهم لها.

اشتم ما شئت سواء في الماضي أم في الحاضر أم في المستقبل، فذلك لن يغيّر شيئًا في إيمان هؤلاء ولن يردع بعضهم ربّما عن النزول الى ساحةٍ مطالبُها تعنيهم كما تعنيك، ولكن قد تشعر اليوم بأن السماء تُمطِر لتكتشف أن ما نزل عليك ليس مطرًا... حينها قد تخجل خصوصًا متى كانت تلك السيّدة الكسروانية هي ذاتها الفاعلة.

ختامًا يا أسعد، أما وقد أصبحت المعادلة غير منصفة بعد كلّ ما سبق، لسنا من نابشي القبور ولا من مشجّعي نبشها ولكن بعضهم من حفاريها. حذارِ أن تحفر لحركةٍ أنت منها وفيها تعاطَفنا مع مطالب ناسها كما لم نفعل منذ العام 2005، قبرًا بسبب ضروب “طيشنة” لا تعكس ما تظهره أقله تلفزيونيًا من أدبيّاتٍ وتفوُّه. قد يعتبره بعضهم “كلامًا صبيانيًا” غير مغفورٍ أنضجته تجربة آب الأخيرة خلافًا لتلك الحركات الليلية التي تحاول تخريب تظاهراتكم، وإن لم يكن الأمر كذلك أو لم ترد اعتباره على هذه الشاكلة فابتعد أنتَ... كي يبقى الشارع.