ما شهدناه من جموعٍ حاشدة مطالبة بحقوق المواطن الطيب أمرٌ مبارَك لانه جاء من خارج الاصطفاف الحزبي والطائفي والمذهبي المقيت، ونحن مطالَبون بالدفع نحو تحقيق مطالب وحقوق المواطن، لكنّ اللافت أنّه وحتى الساعة بقيت المطالب مبعثرة وغير موحّدة ومن دون سلم اولويات تؤدي لقطف ثمار هذا الحراك.

إنّ أيّ حراكٍ مطلبي بحاجةٍ إلى تأطير لجمع المطالب حسب أهميتها وأولويتها تحت قيادة موحّدة.

لقد تجاوزت هذه الحشود موضوع المطالب الحياتية البيئية المعيشية للمواطن نحو مطلب اعادة تكوين السلطة السياسية في لبنان تمهيدًا للبدء بعملية الاصلاح والمحاسبة المنشودة.

برأينا ان المدخل الاساسي والضروري لاي اصلاح سياسي وخدمي في لبنان هو اجراء انتخابات نيابية جديدة بموجب قانون انتخابي عصري وجديد على اساس النسبيه واعتبار لبنان دائرة واحدة للحيلولة دون اعادة انتاج نفس الطبقة السياسية او التشريعية التي اوصلتنا الى هذا المستوى من التردي على الصعيدين المعيشي والسياسي.

ان الامتحان الرئيسي لهذا التحرك هو مدى تحرره من السيطرة الحزبية ومن الهيمنة التي تفرضها زعامات تلك الاحزاب التي ما برحت اللعب على وتر المذهبية تارة والطائفية تارة اخرى بحجة ايهام الناس بان تلك الزعامات هي بمثابة الحارس والضامن لحقوق الطائفة، اما عدا ذلك فالويل والثبور وعظائم الامور للطائفة او للمذهب.

نقول ذلك ونحن على قناعة تامة بان تلك الزعامات المفترضة ممّن نصب نفسه زعيمًا وحاميًا او ضنينًا على الطائفة او المذهب يُظهر بالعلن انه من اشد مؤيدي اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون النسبية. اما في المجالس الضيقة والمغلقة والتي يقال فيها المجالس بالامانات فاننا نفاجأ بعدم حماسة او تأييد لمبدأ النسبية بالانتخابات النيابية، والسبب هو ان اي مرشح على اساس النسبية لن يكون مضطرا لبيع ممتلكاته ووضع قسم من ثروته بتصرف الزعيم او حامي حقوق الطائفة لاستجداء طلب وضعه على اللائحة التي يريدها هذا الزعيم او ذاك.

ان ميزان الربح والخساره لنتائج هذا التحرك الشعبي هو فرض واقع جديد في اعادة تكوين السلطة السياسية من خلال انتخابات نيابية جديدة على اساس النسبية واعتبار لبنان دائرة واحدة واذا تعذر اعتبار لبنان دائرة واحدة فلا بأس من اعتماد المحافظات الخمس الكبرى في لبنان دوائر انتخابية لكن نعيد ونكرر على اساس مبدأ النسبية ومن دون تحقيق هذا الهدف الاساسي الذي يعتبر المدخل الرئيسي لاي اصلاح ومحاسبة ومراقبة اداء المسؤولين والا سنجد انفسنا مرة اخرى امام عملية احتواء ممنهج لهذا التحرك بهدف تنفيسه وتطويعه وتطييفه ومذهبته من جديد.

من حقنا الحرص والانتباه وممارسة الرقابة الدقيقة لهذا الحراك ونتائجه لان التجارب التي سبقتنا اليها شعوب المنطقة في تونس ومصر وليبيا وسوريا و​العراق​ علّمتنا ان المطالبة العشوائية وغير المنظمة واعلاء سقف المطالب دون ترتيب ودراسة معمقة في اولوياتها والتمييز بين المعقول وغير المعقول منها، فان اي تحرك سيعتبر مشبوهًا ومرتبطًا باجندات خارجية تبدأ باحتجاجات شعبية للولوج من باب المطالب المعيشية لتنتهي بفوضى عارمة تعمّ البلاد والعباد وما شهدته الساحات في بعض الدول العربية التي تم ذكرها انفا وما لحق بتلك البلاد لهو دليل واضح وشاهد حي على نوايا الاجهزة الخارجية المعنية واعداء هذا الوطن والمنطقة والتي تجهد في الليل والنهار على خلق حالة من الفوضى المنظمة في بلادنا ونكون بذلك كررنا نفس السيناريو الذي سبقتنا اليه بعض البلاد العربية التي سرعان ما غرقت بمطالب بحال من الفوضى التي لا يستفيد منها الا عدو المنطقة والوطن، عنيت اسرائيل.

اعتقد الكثير من المفكرين والكتاب والمحللين في بدء الحراك في تونس ومصر وليبيا وسوريا بان هذا الحراك هو نتاج طبيعي لحركة الشعوب المقموعة وان القادم من الايام ستشهد تغييرا اساسيا في سياسات الدول العربية وخصوصا لجهة دعم القضية الفلسطينية لنكتشف فيما بعد ان اجهزة دولية دربت ومولت وامرت وطوعت وحركت هذا الحراك ليس بهدف تحقيق مطالب شعبية انما لخدمة اجندات سياسية خارجية تؤدي الى قلب الانظمة التي لا تتماشى وسياسات الاستسلام والاذعان للرغبات الغربية الاميركية وهدم الانظمة والاوطان بهدف نهب ثرواتنا واضعافنا لابقاء اسرائيل في عداد الاقوياء.

لم نقل هذا الكلام من باب التخوين او التخويف من هذا الحراك لا سمح الله انما نقول هذا الكلام من باب الحرص على قدسية المطالب ومن باب الحرص على قطف ثمار هذا التحرك والحرص على نقاوته ونقول هذا الكلام لدفع هذا الحراك نحو مزيد من الضغط على هذه الطبقة السياسية من اجل احداث خرق بجدار الفساد والمحاصصة والمحدلة الانتخابية وصولا للتغيير الحقيقي المنشود.

اننا امام فرصة تاريخية في لبنان ترجمت من خلال الحشود الغفيرة في الشارع لاثبات الحق ومحاسبة المسؤول واحداث تغيير من خلال الانتخابات النيابية الجديدة

يجب ان يعلم المسؤولون والمنظمون والداعون لهذا الحراك ان الشعب لم يخذلهم ولبى النداء ونزل الى الشارع فاذا لم تحقق المطالب واولها اقرار قانون انتخابات نيابية جديدة بموجب قانون النسبية نكون قد فوتنا علينا فرصة تاريخية ولن يكون هناك ثقة باي تحرك مستقبلي يدعو للتغيير وتحقيق مطالب الشعب، عندئذٍ سنصاب بالخيبة وستثبت نظرية المؤامرة الهادفة الى ادخال لبنان في حال من الفوضى المنظمة المرتبطة باجهزة خارجية، عندها سيتم محاسبة المسؤولين والمنظمين لهذا الحراك لما اوصلونا اليه.

من اجل اثبات عدم ارتباط هذا الحراك نقول احصلوا على قانون انتخاب نسبي وحاسبوهم قبل ان يحاسبوكم.