في المعارك الأخيرة، استقدمت «فتح» مجموعات مقاتلة مدرَّبة من مخيّمي الرشيدية والبصّ إلى عين الحلوة لحسمِ المعركة ضد المجموعات التكفيرية. ففي السنوات الماضية، تراجعَت قوّة «فتح» في المخيّم. ولكن، حتى بالمجموعات المستقدمة، استنتجت الحركة أنّ معركتها غير مضمونة النتائج، فتراجعَت، وستكرِّر المحاولة بعد حين... وأعداؤها كذلك!

في تقدير المتابعين للوضع في عين الحلوة أنّ نوعاً من توازن الرعب العسكري هو الذي جمَّد وضعَ المخيّم حتى الآن، وما زال يفرض الهدوء المصطنَع والموَقّت. فلا أحد قادر على الحسم. وفي ظلّ هذا التوازن، يعمل كلّ طرَف بصمت لبناء القوّة الذاتية، انتظاراً لحسمٍ يستعدُّ له.

فالحاجة تقتضي أن يكون هناك عرّاب للمخيّم. وتقليدياً، كانت «فتح» هي العرّاب. لكنّ الحركة تعيش اليوم مأزقَ انقسام داخلي وتنافُسٍ مع «حماس» وصراع مع القوى الإسلامية «الناشئة». ومهمّة السيطرة على الأمن في المخيّم مطلوبة منها تحديداً، دولياً وعربياً. ومن هنا مسؤوليتها والتوقّعات بمعركة تطلقها في أيّ لحظة.

ومعادلة القوّة التي تسيطر على المخيّم هي الآتية:

1- «فتح»- محمود عباس، وهي لم تعُد قادرة على الحسم، كما في السابق.

2- «فتح»- الحركة التصحيحية- التي يقودها محمد دحلان، ويمثّلها في المخيّم العميد محمود عيسى (اللينو). وهي ذات نفوذ متنامٍ، ولا يمكن لـ«فتح»- عباس أن تحسم معركة المخيّم من دون الاستعانة بها.

3- حركة «حماس» التي تحاول اليوم إضعافَ «فتح» وتجاوُزَ خلافاتها القديمة مع دحلان لمنعِ اللحمة بينه وبين عباس. كما تلعب دورَ الوسيط بين «فتح» والمجموعات الإسلامية كافّة. فهذا الموقع يَسمح لها برصيد تستخدِمه في بسط نفوذها على حساب الجميع.

4- المجموعات الإسلامية التي تقيم قناة اتّصال مع «فتح»، كـ»عصبة الأنصار الإسلامية» و»الحركة الإسلامية المجاهدة».

5- المجموعات الإسلامية المتشدِّدة، كـ»جند الشام» و«فتح- الإسلام»، المنضوية تحت عنوان «الشباب المسلم» بقيادة أسامة الشهابي، وسواها...

وهي نمَت في السنوات الأخيرة، بالتداخل مع قوى في المحيط الصيداوي، ومنها حركة الشيخ أحمد الأسير في عبرا. وتلقَّت دعماً من العناصر الفلسطينية الوافدة، خصوصاً من مخيّم اليرموك في سوريا.

وفي تقدير المتابعين أنّ هذه المجموعات الإسلامية حاولت استباق «فتح» بمحاولة السيطرة على المخيّم. فاغتالت المسؤول الفتحاوي العقيد طلال الأردني قبل أسابيع، ثمّ حاولت اغتيال مسؤول الأمن الفلسطيني في صيدا العقيد أبو أشرف العمروشي، وسيطرَت على أحياء عدّة في المخيّم، أبرزُها حي حطّين.

وهذا السيناريو نفّذَته «فتح- الإسلام» في البارد قبل العام 2007. ولأنّ السلطة ال​لبنان​ية ليست في وارد حرب نهر بارد جديدة في الجنوب، فإنّ المعركة مفروضة على «فتح». وهنا يَبرز دور دحلان كممرّ إجباري، من خلال محمود عيسى (اللينو).

وتقول مصادر «فتح»: ليست المسألة مجرّد صراع على النفوذ. إنّها تتّخذ بعداً مصيرياً بالنسبة إلينا. فنَهج المجموعات الإسلامية الناشئة يَصبُّ في مخطّط مشبوه لإنهاء حقّ العودة. وهناك محاولة لإفراغ عين الحلوة، عاصمة الشتات الفلسطيني، على غرار نهر البارد واليرموك.

وتَربط المصادر بين عملية التشريد التي تهدِّد عين الحلوة، بعد البارد واليرموك وربّما مخيّمات أخرى في لبنان وسوريا والأردن، وما يتردَّد عن تحضيرات جارية في الكواليس الدولية لإصدار قرار عن مجلس الأمن يعيد تحديدَ مواصفات اللاجئ. وينصّ هذا القرار على أنّ اللاجئ هو حصراً ذلك الذي غادرَ الأراضي الفلسطينية في العام 1948. وإذا صدرَ هذا القرار فسيُنهي مفاعيل القرار 194، العام 48، الذي ينصّ في فقرته الـ11 على حقّ العودة.

وتنظر المصادر إلى قرار «الأونروا» وقفِ جزء كبير من مساعداتها الإنسانية، بما فيها الغذاء والطبابة والتعليم، على أنّه يَصبُّ في سياق التخلّي الدولي عن اللاجئين الفلسطينيين ودفعهم إلى التشرُّد والتخلّي عن حقّ العودة.

وتقول: هذه المجموعات والخلايا، تحت عنوان «فتح - الإسلام» هي التي أطاحَت مخيّم البارد (33 ألفاً) بافتعالها الصدام مع الجيش اللبناني. وهي، تحت عنوان «داعش» ورديفاتها دخلت اليرموك (400 ألف) وشاركَت في توريطه في النزاع السوري وهجَّرَت أهله إلى غير رجعة. وهي اليوم تلعب دوراً مماثلاً في عين الحلوة.

ولا تتعدّى مساحة عين الحلوة الكيلومتر المربّع الواحد، ويَحتشد فيه أكثر من 80 ألفاً. ولم يكن العدد يتجاوز الـ 49 ألفاً قبل الحرب السورية. أي أنّ نحو 30 ألفاً دخلوا المخيّم من طرابلس ومخيمات الشمال وعبرا وسواها نتيجة المواجهات المتكررة، ولكن خصوصاً من مخيّم اليرموك. وغادر سوريا نحو 200 ألف فلسطيني، معظمُهم من اليرموك، نحو الأردن ولبنان، وخصوصاً إلى عين الحلوة.

إذاً، تستعد «فتح» للحظةٍ تستطيع فيها الحسم، وكذلك المجموعات الإسلامية. فلكلٍّ دوافعُه لخوض المعركة. لكنّ الهدنة الإضطرارية مستمرّة إلى حين، وتفرضها المعادلة الآتية: صعوبة الحَسم العسكري وصعوبة التعايش السلمي.

وقد يأتي أحدٌ من خارج اللعبة الفلسطينية ويَدفع الجميع إلى مواجهة لم يَحِن وقتها. فالهدنة واقفة على أرجوحة تترنَّح، وهي قابلة للسقوط في أيّة لحظة.