ماذا يفعل الكتائبيون أو بالأحرى ماذا يريدون؟ أحد هذين السؤالين أو ربما كلاهما ينطويان على إجابة وإن نمّت عن أمرٍ فلن يكون سوى حالة “التيه” التي يعيشها الحزب حكوميًا والتي يعكسها على جمهوره كما كلّ سائل عن حاله وتموضعه في غمرة السخط العوني وزحمة المطالب.

إذا كانت الاستقالة مستبعدة في كواليس الرابية فبحكم المنطق ومسار الأمور لن تكون واردة في بكفيا، ومع ذلك تسقط الواقعية والتسلسل الكرونولوجي للأحداث عندما تفوح من كواليس الصيفي رائحة استقالة لم تنضج. فماذا حصل؟

“الحزيّة” لم تحزّ!

مخطئٌ من يظنّ أن “البريستيج” الاجتماعي لحزب لطالما كان “كادريًا” ولا يزال، يردعه عن النزول الى الساحة متى حزّت “الحزيّة”، ولكن يبدو أن تلك “الحزيّة” لم تحزّ بعد في حسابات بكفيا رغم أن الواقع يشي بأنها تشاطر شريكتها في الحكومة الرابية الكثير من الخطوط العريضة وليس أولها أو آخرها وإن كان أبرزها “حقوق المسيحيين”... ومع ذلك، لم يكن الشارع في الآونة الأخيرة خيارًا حتى فرضيًا بالنسبة الى الكتائبيين الباحثين عن صورة استقرار بعد التغيير الذي عايشه داخلهم بانتخاب سامي الجميل رئيسًا خلفًا لوالده، ناهيك عن الاستقرار المنشود حكوميًا والكفيل بأن يحفظ لهم موقعهم المتقدّم عدديًا بثلاثة وزراء لكتلة لا يتجاوز عدد نوابها أصابع اليد الواحدة.

لطالما كانوا كذلك...

استراتيجيًا يفكر الكتائبيون. هم كذلك. لطالما كانوا كذلك. لطالما كان التمايز “شمّاعتهم” الأقوى التي لا تفرض عليهم الانسحاب بصمتٍ وهو ما لم يعتادوه، ولكنها تجعل منهم في لحظات محدّدة مشاغبين باحثين عن استعادة الضوء عندما تفلت الأمور من بين أيديهم ويستشعرون خطر الإقصاء من معادلاتٍ ساريّة أو يُعدُّ لها. لم يكن الكتائبيون يومًا متهاونين حكوميًا أقله كما تُظهرهم الصورة البرّاقة وكما بدت واضحة في ملفاتٍ كانوا أول المعترضين عليها كالجامعة اللبنانية والنفايات، بيد أن “شغبهم” بقي بمثابة صوتٍ بلا صدى باستثناء القرارات النادرة التي التفّ حولها الوزراء المسيحيون وآخرها إسقاط محاولات فتح عقد استثنائي لمجلس النواب.

الذريعة نفسها...

ليس “الكتائب” بعيدًا ولا قريبًا. كالسائر في حقل ألغام يستكمل سامي الابن نهج أمين الأب وينهل من سلوكياته الكثير. هو يرفض الخروج من الحكومة كي لا يرمي البلاد في المجهول، فيتماهى في ذلك مع جميع رافضي الاستقالة للذريعة نفسها. لا تمايز في هذه الحالة إلا إذا قرر حزب “الله والوطن والعائلة” أن يغامر ويفاجئ الجميع باستقالة صامتة، وهو ما سيفعله الوزراء الثلاثة فعلاً على ما علمت “​صدى البلد​” في حال انتهاء المهلة التي أعطاها الرئيس تمام سلام مدعومًا من الرئيس سعد الحريري لرفع النفايات من الشوارع، حينها فقط سيُقدِم هؤلاء على ما لوّحوا به في سرّهم منذ أيام وبقي طيّ الكتمان قبل أن يطيحه التراجع. علمًا أنه لم يكن ضربًا من ضروب المناورة على ما تؤكد مصادر كتائبيّة.

“ميّزنا بين المراسيم”

لمَ لا يتماهى الكتائب مع مطالب التيار الوطني الحرّ طالما أن الراية التي يرفعانها هي نفسها وتعني قاعدتيهما سواء كانت العناوين صلاحيات الرئيس أم الآلية أم القانون الانتخابي العادل؟ تشير المصادر الكتائبية عينها لـ”صدى البلد” الى أن “التيار الوطني الحرّ طلب إجماع الوزراء الـ24 على توقيع المراسيم، وكانت الكتائب في الأساس موافقة ولكن عندما تحوّلت الأمور الى تعطيل ونحن لسنا من محبذيه خصوصًا بعد شلّ مجلس النواب، لم تبقَ سوى هذه الحكومة. اعتبرنا أنها تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية مجتمعةً، ولكن عندما اصطدمنا بالمطالب المعيشيّة، ميّزنا بين المراسيم العادية والمراسيم غير العاديةّ. الأولى لا بدّ من تمريرها بمن حضر وليس حتى بـ18 وزيرًا لأن الضرورات تبيح المحظورات. أما المراسيم السياسية الأساسيّة التي تتطلب موافقة الثلثين فلا تنازل إزاءها”.

الرئاسة بندٌ أول

وتشدد المصادر على أن “موقفنا الحكومي ليس ضدّ عون بل لقناعتنا بضرورة تسيير شؤون الناس”. إذًا لمَ كان هناك همسٌ أخير بفرضية استقالة الوزراء الكتائبيين؟ تتلقف المصادر: “كان قرار الاستقالة جديًا لا ترفًا، ولكن عندما مُنِحنا ضمانات حاسمة بأن النفايات ستُرفَع في غضون أيام من كسروان وجبل لبنان وجبيل أسوةً ببيروت تراجعنا لأن الاستقالة ليست بالنسبة الينا هدفًا بقدر ما هي خيارٌ نلجأ اليه عندما نشعر بأن لا جدوى من البقاء في هذه الحكومة. ويمكن أن أؤكد أن في حال لم تُرفَع النفايات خلال المهلة التي أعطاها الوزير نهاد المشنوق باسم تمام سلام وسعد الحريري وفؤاد السنيورة، نرحل في اليوم التالي بلا تردّد أو سؤال”. وعن تلقف الكتائبيين لمبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية تختم المصادر: “تاريخيًا، ولو أن سامي الجميل يختلف عن أمين الجميل، لا يمكن منطقيًا أن نرفص الحوار. ولعل النقطة الإيجابية في هذا الحوار أن رئاسة الجمهورية ستكون البند الأول، لذا الحوار ممكن وليس في الضرورة أن يكون منتجًا في كلّ البنود، ولكن متى لم يُثمر البند الأول (رئاسة الجمهورية) لا داعي للاستمرار في هذا الحوار”.

بلا تماهٍ... أو تمايز

إذاً هي حال حزب الكتائب. يمضي بلا تماهٍ وبلا تمايز خالصيْن. ربّما هوّ أول وجوه الرئاسة الجديدة، وربما هو الإعداد لمرحلة يخرج فيها الفتى الرئيس ذات يوم قريب ليقول للعماد المخضرم: لستَ وحدك من تملك عامل المفاجأة.