لا يختلف اثنان اجتمعا او اختلفا على ان الوضع الامني في عين الحلوة يتدحرج ككرة الثلج، فالاشتباكات المتكرّرة بين حركة "فتح" و"المجموعات الاسلامية المتشددة"، تبقي الوضع مفتوحا على كل الاحتمالات. صحيح أنّ اطلاق النار توقف، لكن المخاوف من "المجهول" ما زالت تشكّل هاجسًا يؤرق المسؤولين الفلسطينيين على مختلف انتماءاتهم الوطنية والاسلامية، وهم يواجهون كل مرة صعوبة أشد من سابقاتها في فصل المتقاتلين.

غير ان الاشتباكات الاخيرة التي حصدت سبعة قتلى في ستة ايام فقط، فرضت واقعا جديدا لم يألفه ابناء المخيم من قبل، للمرة الاولى، تتقدم معادلة "الامن الذاتي" على معادلة "الامن بالتراضي" التي حكمت المخيم ردحا طويلا من الزمن وأرست "تفاهمات ضمنية" و"اتفاقات عرفية" جعلت منه عاصمة الشتات الفلسطيني ومركز القرار بخصوصيته المميزة في تداخل "الموزاييك" السياسي الوطني والاسلامي، الى جانب الحراك الشعبي والشبابي اللافت.

وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة" ان السعي نحو معادلة "الامن الذاتي" لم يكن خيارا يتخذ من احد، بل واقعا فرضه بالقوة احد تداعيات الاشتباكات الاخيرة، ما يهدد جديا نسيج المخيم الديمغرافي والاجتماعي بعواقب وخيمة، وقد بدأ يترجم بسلسلة من الخطوات، بدءًا من عملية نزوح ابنائه من الاحياء والحارات التي تحولت الى "خطوط تماس" و"محاور قتال" متقابلة فجأة، الى صيدا ومنطقتها، بهدف استئجار شقق ومنازل رغم الفقر والبؤس والبطالة والضائقة الاقتصادية والمالية، ومن لم يستطع لجأ الى ذويه او أقاربه او معارفه وحتى اصحابه لتمرير المرحلة دون ان يعرض حياته للخطر.

وترافق النزوح "الطوعي" شكلا و"القسري" سببا، مع "الفرز السكني" وفق الانتماء السياسي، حيث باشر العديد من "الفتحاويين" او "الاسلاميين" والمقربين منهما او انصارهما، الانتقال الى مناطق نفوذ كل واحد منهما، خشية التعرض للانتقام او الثأر، رغم انهم لم يشاركوا في الاشتباكات الاخيرة، بعدما تعرضت منازل من كلا الطرفين الى الحرق العمد في احياء متفرقة في عكبرة، الصفصاف وحطين وسواها، ما يكرس "المربعات الامنية" الى جانب "الامن الذاتي"، فيما وجهت "رسائل" و"انذارات" الى البعض بضرورة المغادرة تحت طائلة "لا نتحمل مسؤولية حمايتكم وحياتكم".

في هذا الوقت بدأت تشهد بعض الاحياء تشكيل "كتائب عسكرية" للدفاع عنها مثل "الصفصاف"، وتشكيل او تفعيل لجان احياء لحمايتها، وقد وصل البعض الى القيام باقفال "أزقة" و"زاوريب" او وضع "بوابات حديدية" لفصل الحارات عن بعضها ومنع تسلل المتقاتلين تماما مثلما حصل بين حارتي "عكبرة" و"الصفصاف" الامر الذي يواجه بالرفض لما فيه من تقطيع للاوصال وفصل الاحياء وتواصل الناس.

خلافات ومصالحات

الى جانب "الامن الذاتي" و"المربعات الامنية"، فقد انعكست الاشتباكات المسلحة، خلافات سياسية بين القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية على حد سواء، كادت تطيح بالاجماع الوطني رغم التوافق على استثنائية الساحة اللبنانية، فجرى تطويقها، بمصالحة بين حركتي "فتح" والجهاد الاسلامي" على خلفية موقف ادلى به ممثل الحركة في لبنان ابو عماد الرفاعي واتهم فيها فتح بتوسيع رقعة الاشتباك لتطال كل انحاء المخيم، وأخرى بين "فتح" و"القوى الاسلامية" ممثلة بـ"الحركة الاسلامية المجاهدة" و"عصبة الانصار الاسلامية" على خلفية اتهام الاخيرة بالمشاركة في المعركة واطلاق النار في منطقتي "الصفصاف" و"الطوارئ"، بينما ما زالت التهم تُكال ضد حركة "حماس" بالوقوف وراء دعم "الاسلاميين المتشددين" وإمدادهم بالذخيرة، وهو ما نفته الحركة مرارا وعلى لسان اكثر من مسؤول فيها، واعاد تأكيد النفي سفير فلسطيين في لبنان اشرف دبور، الذي اشاد بدورها في مساعي وقف اطلاق النار وحماية المخيم من المزيد من اراقة الدماء وارواح الابرياء.

خسائر وعصيان

ولم تتوقف تداعيات الاشتباكات المسلحة عند هذا الحد، بل تعدته الى الخسائر البشرية حيث سقط نحو خمسة عشرة قتيلا من الطرفين بينهم مدنيين، منذ بداية الاشتباك في "حي طيطبا" في شهر رمضان المبارك اي في منتصف حزيران الماضي، مرورا بـ "حي الزيب"، فاغتيال قائد كتيبة "شهداء شاتيلا" العقيد طلال الاردني، ثم احد عناصر "جند الشام" عمر محمود عبد القادر، وصولا الى محاولة اغتيال قائد "الامن الوطني" في منطقة صيدا العقيد ابو اشرف العرموشي، ناهيك عن الماديات من حيث حجم الاضرار في الممتلكات من المنازل والمحال التجارية والسيارات وخصوصًا في الطوارئ، البركسات، الصفصاف، الطيرة -النداء الانساني وحطين- درب السيم، لتضاف الى حجم الاضرار السابقة في شارعي الزيب وطيطبا التي قدرت بنحو مليون دولار، فضلا عن الركود وجمود الدورة الاقتصادية، ما دفع التجار في سوق الخضار واصحاب المحال الى التهديد بـ"العصيان المدني" في خطوة غير مسبوقة بعدما نفذ صبرهم عن الخسائر والافلاس والاقفال، على وقع حراك شعبي وشبابي ولجان الاحياء وتحديدا الصفصاف، لوبية، طيطبا، عكبرة وحطين يتصاعد لكسر حاجز الخوف ورفع الصوت عاليا "كفى..."، فهل من مجيب؟ ام السؤال بانتظار جولة عنف جديدة؟