هل تستقيل الحكومة تحت وطأة الملفات الضاغطة وتتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا في ما خصّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أم أن المناخات الإقليمية والدولية ما تزال تمنع الذهاب إلى مثل هذا الخيار تماشياً مع ما تتطلبه الظروف التي تعيشها المنطقة وليس من منطلقات المصلحة اللبنانية كما يزعم البعض من الدبلوماسيين والموفدين الدوليين الذين يزورون لبنان؟

يبدو أن هذا الخيار وضع بشكل جدّي وفعلي على طاولة النقاش في الصالونات السياسية الضيّقة، وأن بعض الوزراء بدأوا يرون بأن الذهاب باتجاه هذا الخيار لم يعد مستبعداً في ظل الضغوطات التي تمارس على الحكومة إن من حيث الخلافات السياسية بين مكوناتها، أو إرتفاع منسوب الحراك المطلبي وذلك على قاعدة أن آخر الدواء الكيّ، بعد أن وصلت الحكومة إلى طريق مسدود في معالجتها للملفات المطروحة بفعل الإنشطار السياسي الموجود والذي يحول حتى دون معالجة أي ملف إن كان صغيراً أم كبيراً.

وإذا كان خيار الإستقالة بدأ يفرض نفسه على المشهد السياسي الراهن، فإن مصادر وزارية تُسقطه من حساباتها وترى أن الذهاب في هذا الاتجاه لم يحن أوانه بعد، وأن الظروف السياسية غير ملائمة على الإطلاق للإقدام على الإستقالة أو حتى التلويح بها، وهي تعتبر أن الحكومة على المستوى الظاهري قد أخذت عمراً جديداً مع تجديد الرئيس نبيه برّي الدعوة لطاولة الحوار، وبالتالي فإن التفكير في الإستقالة في هذه اللحظات بالذات غير منطقي ولا يُحاكي الواقع.

وتعتبر المصادر أن الحكومة في ظل انطلاق الحوار سترتاح إلى حدٍّ ما كون أن المواضيع الخلافية والقضايا المطلبية ستكون في عُهدة هيئة الحوار التي ستنطلق في عملها في التاسع من الشهر الحالي.

وفي تقدير المصادر الوزارية ان المبادرة الحوارية المتجددة بالشكل والمختلفة في المضمون عن الجلسات الحوارية السابقة تعتبر بمثابة الخرطوشة الوحيدة التي يمكن استخدامها للخروج من الوضع المأزوم، وهي إذ تعتبر ان الترحيب من قبل بعض الأطراف السياسية هو ترحيب ملغوم حيث يريد هؤلاء نقل المسؤولية إلى مجلس النواب، فإنها ترى ان السواد الأعظم من القوى السياسية سيتعاطى مع هذه المبادرة على انها خشبة الخلاص بعد انسداد الأفق الداخلي في معالجة الاستحقاقات بصورة طبيعية.

وفي موازاة ذلك فإن زوّار الرئيس نبيه برّي لمسوا في الساعات الماضية ارتياحاً كبيراً لدى رئيس المجلس الذي ما كان ليقدم على هذه الخطوة لو لم يرَ ان الظروف الداخلية والخارجية ملائمة لمثل هذه الدعوة في هذه الظروف الدقيقة.

وأكّد رئيس المجلس وفق زواره ان سبعة عشر من الكتل النيابية إضافة إلى رئيس الحكومة تمام سلام سيحضرون جلسات الحوار التي تبدأ الأربعاء المقبل في أحدى قاعات مجلس النواب، وأن الدعوات وجهت إلى المشاركين عبر نواب من كتلة «التنمية والتحرير»، وكشف الرئيس برّي انه أجرى اتصالاً بالرئيس سعد الحريري الموجود في الخارج طالباً منه المجيء إلى لبنان للمشاركة في أعمال هذا الحوار، وأن الرئيس الحريري أكّد له بأنه سيحاول المجيء وفي حال تعذر ذلك سينتدب الرئيس فؤاد السنيورة للانابة عنه.

وأوضح رئيس المجلس ان فكرة الدعوة للحوار لم تكن بنت ساعتها، وأنه بدأ يفكر بها قبل الحراك الشعبي بعشرة أيام، حيث أجرى سلسلة من الاتصالات مع دول وسفراء وقد لقي كل تشجيع وترحيب من قبل كل من فاتحهم بهذا الأمر، وقد لمس هذا الترحيب على المستوى الداخلي من خلال الدعوات التي وجهت، ما عدا «القوات اللبنانية» التي استمهلت إلى يوم السبت لإعطاء رأيها.

وحول نسبة التفاؤل التي يضعها الرئيس برّي لهذا الحوار في هذه الظروف الدقيقة قال إن نسبة تفاؤله بين الصفر والمئة.

ولفت الرئيس برّي امام زواره الى ان كل بند من جدول الأعمال يُتفق عليه سيشرع في مجلس النواب الذي سيتحول إلى ورشة عمل بحيث ان الجلسات ربما تكون صباحية ومسائية في إحدى قاعات المجلس.

وفي رأي زوّار عين التينة ان الحوار الذي سيبدأ في بحر الأسبوع المقبل سيساهم إلى حدّ كبير في إيجاد مناخات سياسية جديدة من شأنها قطع الطريق على أي صدام سياسي بعد ان بلغت التجاذبات داخل الحكومة وخارجها الذروة بما ينذر بتداعيات خطيرة في ظل هذه الظروف الدقيقة على المستويين المحلي والخارجي.

وأمل هؤلاء ان ينزل المدعوّون إلى ساحة النجمة بعقول منفتحة بعيداً عن أجواء التجاذبات وسياسة النكد والنكايات وترك هذه الأجواء خارج قاعة الجلسات وإلا سنكون امام مرحلة من مضيعة الوقت والتي سيكون لها بالطبع تداعيات خطيرة على الوضع العام، مع التشديد بأن هذا الحوار يُشكّل فرصة أخيرة لإنقاذ لبنان ومنع دخوله في نفق الأزمات الإقليمية والصراعات الدولية التي لا طاقة له على تحملها.