الحرب بوجهيها الساخن و"الناعم" على محور المقاومة ليست مستجدة، وقد أثبت الأحداث في المنطقة أن ما من تحرّك عفوي، وإن كان يحمل شعارات براقة، فهي مجرد "سلوغونات خداعة" لتحريك المواطنين الذين قد يعانون حقاً من أزمات معينة، جراء سياسات حكوماتهم، فتشكّل هذه السياسات "مادة دسمة" لتأليب الشارع على الحكّام، تحت شعارات إصلاحية، لكن لأهداف سياسية وجيوسياسية.

أما بالنسبة لما يحدث في الشارع اللبناني، فيبدو أنه يشهد "تبدّلاً مناخياً"، وقد يحل فيه "ربيع" قبيل فصل الخريف، بحسب ما توقع مرصد شبكة "سي أن أن" الأميركية، وفي حال صدقت هذه التوقعات، يكون هذا "الربيع" غطاء أو ورقة ضغط داخلية لتحرّيك "الستاتيكو" الراهن، ومحاولة فرض واقع سياسي جديد ملائم لتوجهات صانعي هذا "الربيع".

لاريب أن هذا "الربيع" لم ينبلج صدفة، وفقط على وقع أزمة النفايات، فهو موّجه بأهدافه الفعلية ضد محور المقاومة في لبنان، وقد جرى الإعداد لهذه "الحرب الناعمة" منذ أكثر من عقد من الزمن، تبدّلت عناوين "الحراك"، بما يتلاءم مع الظروف الراهنة، ومحاولة محاكات معاناة الناس.

في السياق، كشفت معلومات موثوقة أن السفارة الأميركية في بيروت أقامت قبيل صدور قانون "محاسبة سورية"، الذي مهّد لصدور القانون 1559، "دورة إعلامية" لبعض الوجوه الإعلامية والسياسية والأكاديمة، لاسيما بعض أبناء الطائفة الشيعية، تبيّن لاحقاً أن هذه الدورة كانت لمواكبة ما يسمى "ثورة الأرز" 2005، التي نظّر لها في حينه السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة جون بولتون.

وبعد ذلك جرت محاولات فرض تيارات داخل الطائفة الشيعية معادية لثقافة المقاومة، تدّعي الحرص على "السيادة"، غير أن الانتخابات النيابية في العامين 2005 و2009 كشفت هشاشة هذا التيار، وعدم انجراف الشارع الشيعي خلفهم، رغم الإمكانات المادية الكبيرة التي وُضعت بحوزتهم، ورغم التغطية الإعلامية الكبيرة لأنشطتهم.

وعندما عجزت "إدارة الثورة" عن اختراق الشارع المذكور عبر هذه التيارات، بدّلت عنوان تحركها تحت غطاء ما يسمى "المجتمع المدني"، وكما هو واقع، فإن غالبية منسقي "الحملات المطلبية" في بيروت هم من الشيعة، ويحاولون توجيه سهامهم على حزب الله وداعميه، لاسيما العماد ميشال عون، بطريقة خدّاعة، من خلال شمولية الهجوم على مختلف الأفرقاء السياسيين.

بالتأكيد، سيعتبر "الثوار الجدد" أن الكلام الآنف الذكر كلاماً خشبياً، أو كلاماً اتهامياً يذكّر بحقبة الوصاية على البلد، لكن هناك سؤالاً مطروحاً للرأي العام: ماذا كان يفعل مثيرا الشغب والفتن في سورية؛ ياسين الحاج صالح الذي فرّ إلى السفارة الأميركية في دمشق ومنها إلى بيروت، وعلي سفر في "التحرّك المدني المطلبي" في العاصمة، مادام عفوياً وغير مرتبط بأي أجندة سياسية؟

في المحصلة، لايجوز وضع الشعب اللبناني أمام خياريين؛ إما السلطة الفاسدة وإما الفوضى الهدامة، فالحل الوحيد إعادة إنتاج سلطة جديدة، من خلال إجراء انتخابات نيابية وفقاً لقانون نسبي يحقق صحة التمثيل، ويأتي برئيس جمهورية، وحكومة منبثقة من الإرادة الشعبية، تحقق الإصلاحات المرجوة.

في الوقت عينه تبقى الخشية، من أن يعود بلبنان الزمن الى العام 1988، وان يتم وضع اللبنانيين مجدداً امام خياريين: أما "مخايل الضاهر واما الفوضى".. ولكن هذه المرة قد يكون الخيار الأول زياد بارود.