تُشكّل مباردة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الحوارية فرصةً جديدة أمام القوى السياسية على اختلافها للاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد «صنع في ​لبنان​» لأنّ بنود جدول الأعمال المحدّد للمتحاورين يَختصره البند الأوّل منها، وهو «رئاسة الجمهورية»، في اعتبار أنّ الشغور الرئاسي هو أصل الداء في كلّ ما جرى ويجري تحديداً منذ حصوله.

يقول مصدر سياسي متابع للحراك السياسي إنّ هناك خشية على مصير الحوار ممّا سيكون عليه موقف رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، فإذا أصَرّ على الاستمرار في ترشيحه ولم يلقَ هذا الترشيح تأييدَ الجميع، فسيكون من الصعب على المتحاورين الاتفاق على إسم الرئيس العتيد، خصوصاً إذا طرحت أسماء تثير حساسية لدى عون.

لكنّ البعض يعتقد أنّ عون إذا اقتنَع في لحظة ما أنّ حظوظه بالوصول الى رئاسة الجمهورية قد تكون ضئيلة سيَدخل عندئذ في تسوية مع الآخرين ويكون بذلك «معبَراً إلزاميا» إلى رئاسة الجمهورية، كما سمّاه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في الآونة الأخيرة.

ومن الأفكار التي يتداولها بعض الاوساط في شأن التسوية الموعودة أن يكون لعون رأي مؤثّر في اختيار الرئيس الجديد، وتعيين صهره قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائداً للجيش إذا تمّ تأجيل تسريحه من الخدمة، أو تعيينه وزيراً للدفاع في الحكومة الأولى للعهد الرئاسي الجديد، إلى جانب إسناد بعض الحقائب الوزارية الوازنة لأعضاء في تكتّل «التغيير والإصلاح».

ويرى المصدر أنّ الحوار ينبغي أن ينتهي إلى نتائج عملية، لأنّه إذا فشلَ سيؤدي الى أحد أمرَين أحلاهما مُر:

أوّلاً، دخول البلاد في طور جديد من الحراك الشعبي الذي قد يتحوّل فوضى، لأنّ الحكومة يمكن أن تعجز عن تلبية مطالب المتظاهرين، خصوصاً إذا دخلت على خطّهم جهات، وربّما دوَل لتؤجّج حراكهم وتدفعَه الى مزيد من التصعيد والتعنيف، عِلماً أنّ هناك شبهات تحوم الآن حول وجود دوَل وجهات مؤثرة تقف خلف بعض المنظّمات القائمة بهذا الحراك، ومنها الشبهة التي عبَّر عنها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بحديثه عن دعم «دولة خليجية صغيرة» لبعض الجهات المشاركة في التظاهرات والاعتصامات.

وإذ فسّرَ البعض كلامَ المشنوق على أنّه يقصد دولة قطر من دون أن يسَمّيها، سارَع الرئيس سعد الحريري في الأمس إلى نفي هذا الأمر، مشيداً بالعلاقة السائدة بين لبنان وقطر.

ثانياً، إتّفاق المتحاورين على إدارة الأزمة وانتظار حصول التوافقات على حلّها وحلّ بقيّة أزمات المنطقة بين بعض الدول الإقليمية، وخصوصاً بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك بين بعض العواصم الغربية الفاعلة، وذلك في حال سَلك الاتفاق النووي بين إيران والدوَل الغربية إلى التنفيذ عابراً الكونغرس الأميركي بلا أيّ معوقات.

ويؤكّد المصدر نفسُه أنّ اتّفاق المتحاورين على شخص رئيس الجمهورية الجديد سيؤدّي الى اجتماع مجلس النواب على الفور لانتخابه، لينطلقوا بعده الى البحث في بقية بنود جدول أعمال الحوار، وأبرزُها بند قانون الانتخابات النيابية الجديد، لأنّ انتخاب الرئيس سيُسقِط تلقائياً بندَي «عمل مجلس النوّاب وعمل الحكومة»، لأنّ العمل التشريعي سيَعود إلى المجلس النيابي بزَوال شرط المقاطعين أن لا يحصل أيّ تشريع في ظلّ الشغور الرئاسي.

أمّا العمل الحكومي فسيصبح تصريفَ أعمال، ولن يكون هناك من داعٍ لاجتماع مجلس الوزراء ولا للبحث في آليّة اتّخاذ القرارات المختلف عليها حاليّاً في جلساته، لأنّ الحكومة ستصبح مستقيلة دستورياً فور انتخاب رئيس الجمهورية وتتحوّل حكومة تصريف أعمال في انتظار أن يبدأ الرئيس الجديد بعد أدائه القَسَم الدستوري أمام مجلس النواب، مشاوراته النيابية الملزمة لتسمية الشخصية التي سيكلفها تأليف الحكومة الجديدة.

المتفائلون بنجاح الحوار يتوقّعون الاتفاق على رئيس الجمهورية الجديد وانتخابه في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر في حال طالَ النقاش في بند رئاسة الجمهورية.

والمتشائمون يخشون من بقاء لبنان بلا رئيس إلى أمد أطول، خصوصاً إذا فشلَ المتحاورون في الاتفاق عليه، بحيث إنّهم سيجدون أنفسَهم في هذه الحال أمام احتمالين: الاتفاق على قانون انتخابي جديد والذهاب الى انتخاب مجلس نيابي جديد بعد تقصير ولاية المجلس الحالي الممدّدة، ينتج منه موازين قوى سياسية جديدة وينتخب رئيس الجمهورية الجديد. أو انتظار تدَخّل إقليمي ـ دولي يَدفع جميع الأفرقاء الداخليّين إلى الاتفاق على انتخاب رئيس توافقي فشلوا في التوافق عليه على طاولة الحوار.

وإذ يتخوّف بعض الأوساط السياسية من أنّ الحوار إذا فشلَ سيؤدّي الى تدهور في الأوضاع الداخلية على كلّ مستوياتها، فإنّ قطباً نيابياً يستبعد حصول مثل هذا التدهور، ويقول إنّ عدم الاتفاق على بند رئاسة الجمهورية أو أيّ بند آخر من البنود الحوارية سيَدفع المتحاورين إلى تركه جانباً والبحث في البنود الأخرى، ولا سيّما منها بند قانون الانتخابات النيابية الذي إذا حصل الاتفاق عليه ربّما يغَيّر في الأولويات، بحيث تحتلّ الانتخابات النيابية الأولوية لتحلّ بعدها أولوية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.

كذلك لا يستبعد القطب حصولَ اتّفاق على بند «عمل الحكومة»، إذ يشير إلى أنّ الأفكار التي طرِحت في شأن آليّة اتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء تمّ التوافق عليها بغالبيتها، ولكنّها تحتاج إلى بعض الاستكمال من خلال التوَصّل إلى اتّفاق على موضوع التعيينات العسكرية والأمنية الذي كان السبب بما حلّ بالوضع الحكومي، وتحديداً لجهة تمديد تسريح مجموعة من الضبّاط مِن بينِهم العميد روكز الذي يَقترح عون تعيينَه قائداً للجيش.