لا يمكن فصل المسار الذي تسلكه الاحداث السورية، على الصعيدين الميداني والعسكري، عن التطورات السياسية التي تجري في أكثر من عاصمة دولية وإقليمية، باتت فاعلة في الحرب الدائرة منذ سنوات، خصوصاً في مرحلة ما بعد توقيع الإتفاق النووي ال​إيران​ي، بين الدول الكبرى والجمهورية الإسلامية، حيث أصبح الحديث عن تسوية يجري البحث عنها هو الطاغي على المشهد القائم، في ظل تعزيز دور بعض الجماعات الإرهابية المعروفة.

البحث في دور تلك المنظمات المتطرفة، يفضي إلى حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها، هي عبارة عن أدوات تستخدم في سياق مشاريع مختلفة، حتى ولو كان معظم عناصرها أو المتضامنون معهم، من المؤمنين بأن ما يقومون به هو الطريق الصحيح، الذي يوصل إلى "الخلاص" من الواقع المزري الذي يعيشون فيه، لا سيما أنهم يروجون إلى أن العالم بأجمعه إجتمع لمنعهم من تحقيق أهدافهم "السامية".

في هذا السياق، كان من اللافت الهجوم، الذي قام به عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، على حي القدم الذي يقع جنوب العاصمة السورية في دمشق، يبعد ما يقارب 4 كلم عم مركز المدينة، مستهدفين تنظيمات إسلامية أخرى، هي جزء من قوى المعارضة المسلحة، إختارت قبل أشهر توقيع هدنة مع الحكومة، في وقت كانت البلاد في إنتظار وصول المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، في مؤشر، من وجهة نظر مصادر مراقبة، إلى أن المطلوب من "داعش" السعي إلى "التشويش" على جهود دي ميستورا، أو الضغط على القيادة السورية لتقديم تنازلات.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الخيار الثاني هو المرجح، لا سيما بعد أن أعلنت كل من الحكومتين الروسية والإيرانية موقفهما الحاسم من مستقبل الأوضاع في البلاد، لناحية التأكيد بأن الرئيس السوري ​بشار الأسد​ لا يمكن أن يكون إلا جزءاً من الحل السياسي المنتظر، في حين لا تزال بعض الجهات الإقليمية تعارض هذا الأمر بشكل مطلق، أو على الأقل تريد أن يكون ضمن شروط مرفوضة من الجانب السوري حتى الآن، والدليل على ذلك السعي التركي إلى حجز مكان له في الخارطة السياسية، عبر إحداث تبدلات في تلك العسكرية، تنطلق من الحراك القائم في الشمال السوري، ولا تنتهي في عمليات الإغتيال التي تستهدف قيادات أمنية، عبر تنظيم "حركة أحرار الشام"، الذي ينفذ تعليمات أنقرة بشكيل كامل، مروراً بإفشال مساعي الوصول إلى تسوية متعلقة بالأوضاع في مدينة الزبداني.

وفي حين تشدد هذه المصادر، عبر "النشرة"، على أن الصراع القائم بين الفصائل المعارضة يعكس خلافاً بين الدول الداعمة، خصوصاً لناحية دخول "​جيش الإسلام​"، المدعوم من قبل المخابرات السعودية، على خط المواجهات مع "داعش" على أطراف العاصمة السورية، بهدف تخفيف الضغط عن "الإتحاد الإسلامي لأجناد الشام"، عبر فتح مواجهة في حي الزين، تشير إلى أن الثابت هو أن هناك من يريد أن يجبر الدولة السورية في هذه اللحظة المصيرية على تقديم تنازلات، تحت التهديد بدخول التنظيم الإرهابي الأخطر إلى مدينة دمشق، أو إحداث تبدلات في الخريطة عبر ما يحصل في بعض مناطق ريف حمص من هجمات على البلدات والقرى.

وفي الوقت الذي يبدو فيه هذا المشروع متقدم نحو تحقيق بعض الأهداف، تؤكد المصادر المراقبة أنه لم يبدأ مؤخراً بل من لحظة دخول "داعش" إلى مدينة تدمر، في خطوة كان المطلوب أن تكون مقدمة من أجل التوسع أكثر في محافظة حمص، عبر إستهداف أماكن أخرى، إلا أنها ترى أن الرسالة الأخطر كانت من خلال التفجير الإرهابي الذي حصل، يوم أمس، في محافظة اللاذقية، في مؤشر إلى الرغبة في مضاعفة الصغوط من خلال إستهداف المناطق التي تعتبر من معاقل الدولة السورية، بهدف دفعها إلى تقديم تنازلات، في حين لا تزال يرتفع عدد عمليات الإغتيال التي تحصل في صفوف قيادات الفصائل والكتائب المعارضة بشكل لافت.

في المحصلة، تبدو الأمور ذاهبة إلى مخاض كبير، في المرحلة المقبلة، سيزداد معه العنف على نحو لافت، وستظهر خلاله خلافات بين قوى كانت حتى الأمس القريب حليفة، لكن الأكيد أن "داعش" سيبقى متصدراً واجهة الأحداث لفترة ليست بالقصيرة.