فجأة، ومن دون سابق انذار، خلع رئيس مجلس النواب نبيه بري رداء "التطنيش" الذي كان ارتداه، استياء من مواقف رئيس تكّتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون التي اعلن خلالها ان مجلس النواب "غير شرعي". من هنا، يمكن السؤال عن السبب الذي دفع ببري الى العودة الى دور راعي الحوار و"مدوّر الزوايا"، و"همزة الوصل"... وما الذي حصل حتى تتم الدعوة الى حوار تم تحديده في 9 ايلول؟

بداية، يجب الاشارة الى ان بري اعطى مؤشراً صغيراً عن عامل دفعه الى هذه الدعوة، فقال وفق ما نقل عنه زواره، "مبادرة الدعوة اختمرت فكرتها قبل سبعة أيام، كنت حتى ذلك الوقت أجريت سلسلة اتصالات شملت سفراء وشخصيات في الداخل". وهذا يعني ان الحوار كان مطلباً خارجياً ايضاً، اضافة الى كونه مطلبا داخليا. ولكن الفارق ان الخارج لا ينتظر كما الداخل، والمسؤولين لا يمكنهم المماطلة، فكان تحديد سريع للجلسة ضمن مهلة الايام العشرة التي كان حددها رئيس مجلس النواب في كلمته في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر.

اما بعد، هناك جملة امور يجب التوقف عندها لما تحمله من معان من حيث الشكل والمضمون:

1-اعاد بري الاعتبار الى مجلس النواب من خلال هذا الحوار، حيث حصره برؤساء الكتل النيابية ورئيس الحكومة، وبالتالي وضع خارجاً مشكلة التمثيل السياسي على الطاولة ومشكلة البروتوكولات وغيرها. هذا الامر سمح بوضع رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان خارج الحوار، اضافة الى رؤساء حكومات سابقين ورؤساء احزاب وقوى سياسية ومجمتع مدني... وهذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى اعتبار بري ان مجلس النواب هو المنبع والمصبّ، وبالتالي فإن مجلس النواب هو الذي سيتولى ترجمة ما يتم الاتفاق عليه بين رؤساء الكتل ورئيس الحكومة.

2-ان نظرة سريعة على مواضيع الحوار التي حددها بري دون الرجوع الى المدعوين، تشي بأن الوقت ليس للمماطلة. فانتخاب رئيس للجمهورية يمكن تأجيله لفترة من الوقت، مع الاتفاق على ان يعكس تمثيلاً حقيقياً للمسيحيين بما يطمئنهم خصوصاً في ظل ما يتعرضون له في المنطقة.

اما موضوع عمل الحكومة وعودة العجلة الى مجلس النواب، فيمكن حلهما بطريقة بسيطة وفق القاعدة الشهيرة "لا غالب ولا مغلوب"، وكلها ضمن البند الوارد في جدول الاعمال تحت عنوان "دعم الجيش والقوى الامنية". فوفق الحوار، سيتم حل موضوع الضباط والتعيينات الامنية فتعود الحكومة الى الحركة، فيما يتكفل بند "قانون الانتخاب واستعادة الجنسية" في الافراج عن مجلس النواب.

ويبقى موضوع اللامركزية الادارية الذي سيكون اخفّ وهجاً من باقي المواضيع ولكنه لن يكون عابراً وسيفتح المجال امام حركة اكبر للبلديات.

3- في ما خص توقيت الدعوة، فهو اتى بطبيعة الحال بعد تنامي التظاهرات والتناسق الاعلامي معها من جهة، وتصاعدها من جهة ثانية مع المحاذير التي وضعتها الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة لجهة التنبيه الى مخاطر التعرض للمتظاهرين بالقوة والعنف. ولكنه ليس السبب الوحيد، فالاحزاب والتيارات السياسية كانت بحاجة الى استعادة زمام المبادرة، وفرض نفسها كقوة فاعلة وحيدة لتغيير الامور في البلاد، وهذا ما فعلته من خلال مدّ يدها الى التظاهرات من جهة، والمشاركة في الحوار من جهة ثانية.

امام هذا الواقع، كان لا بد من هذه الدعوة الى الحوار الذي يمكن القول ان "حزب الله" هو اول المستفيدين منه، لان حراجة الوضع الذي وصلت اليه الامور باتت توجب عليه اتخاذ موقف، وقد يكون هو "المحرّض" على تنسيق بري هذه المبادرة مع الخارج والداخل.

ليس الهدف من الحوار بالتأكيد اصلاح الامور بين ليلة وضحاها، ولكن سحب البساط اولاً من التحرك في الشارع، واراحة الاحزاب والتيارات السياسية من ضغط مؤيديهم وانصارهم، وارضاء الغرب الذي توافق مع الايرانيين على سلسلة امور في لبنان يبدو ان الحوار احد بنودها.

وهل يمكن وضع تأجيل بري نفسه جلسة انتخاب رئيس للجمهورية حتى 30 ايلول بدلاً من تحديدها في تشرين الاول كما اقتضت العادة، مجرد صدفة ام يمكن القول ان حوار ايلول طرفه بالحل مبلول؟