لم تهدأ الصحف ووسائل الاعلام الاوروبية خلال الايام القليلة الماضية في التركيز على الخطر الذي تشهده دول ​الاتحاد الاوروبي​ بسبب نزوح الآلاف من اللاجئين الى دول معيّنة. وذهب بعض المسؤولين الاوروبيين الى دق ناقوس الخطر والتحذير من كارثة اجتماعية واقتصادية ستصيب هذه الدول التي تستقبلهم.

ولكن في نظرة سريعة الى واقع الامور، يمكن القول ان نفير الخطر كان سابقًا لاوانه، وهو لا يعدو كونه مجرد وسيلة للضغط على دول داخل الاتحاد الاوروبي وخارجه من اجل استقبال النازحين وابعاد "شرّهم" على المديين القريب والبعيد ايضاً.

لا شك ان صورة الطفل السوري الغريق ​إيلان كردي​ على الشواطئ التركية هزّت المشاعر في ارجاء العالم اجمع، ولكن هناك المئات من الاطفال الذين يموتون يومياً في محاولة منهم ومن اهلهم للوصول الى الدول الاوروبية التي كانت حتى الامس القريب تستقبل البعض "بالقطّارة"، اي عدد محدود جداً ويكاد يكون لا يذكر، وقد تحركت الامس تحت ضغط المشاعر للاعلان عن توسيع مروحة استقبالها للاجئين.

وفق الارقام الرسمية الصادرة عن ​الأمم المتحدة​، فإن نحو 350 الف لاجئ تم رصدهم على حدود دول الاتحاد الاوروبي بين شهري كانون الثاني وآب من هذا العام مقارنة بـ280 الفاً تم رصدهم على هذه الحدود خلال العام المنصرم بأكمله. ووفق المصادر الاوروبية، فإن نحو 200 الف لاجئ دخلوا الى دول الاتحاد حتى اليوم، وهو رقم صغير جداً اي يوازي ما يقارب 0.027% من مجمل عدد سكان الاتحاد الاوروبي (نحو 740 مليون اوروبي). وللعلم فقط، فإن لبنان يستقبل رسمياً نحو مليون و200 الف لاجئ سوري فيما عدد سكانه هو 4 ملايين ونصف ( اي نحو 27% من مجمل عدد السكان) ناهيك عن اللاجئين الذين دخلوا خلسة.

ومن نافل القول ان نسبة لا تصل الى 0.1% من عدد سكان اوروبا لا يمكنها ان تشكل خطراً محدقاً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول، ولكن الخطر الحقيقي يكمن بالنسبة الى المسؤولين الاوروبيين، في ان هؤلاء اللاجئين يشكلون مشكلة امنية في المدى المنظور وغير المنظور لانه لا يمكن احتواءهم، وقد تعرضت دول اوروبية لتجارب مماثلة بدأت بمعاينة تأثيرها من قبل لاجئين من العرب والافغان وحتى الافارقة.

ليبيا، افغانستان، ​العراق​، سوريا، نيجيريا، ​اريتريا​ و​الصومال​ هي العيّنة الرئيسية التي تتبوّأ الدول المصدّرة للاجئين، فيما تشكل المانيا و​اليونان​ وايطاليا الدول الاوروبية الاكثر استقبالاً لهم. صحيح ان الاوروبيين يرحبون باللاجئين المسيحيين الوافدين اليهم، ولكن لا يمكنهم "غربلة" هؤلاء وادخالهم وفق انتمائهم الطائفي نظراً لانعكاسات هذا الامر على الرأي العام، ولكن ما يمكنهم فعله هو اعلاء الصوت والتحذير من انه لم يعد بامكانهم استقبال المزيد، ما يدفع ببقية اعضاء الاتحاد الاوروبي وباقي دول العالم في الغرب لزيادة عدد استقبالهم للاجئين، فيخفّ الحمل تدريجاً.

واذا كان المال لا يشكّل أزمة بالنسبة الى اوروبا (كونها اثرى قارة في العالم)، فإن المشكلة الحقيقية تبقى في التخوّف مستقبلاً من "سهولة" دخول لاجئين الى دول اوروبية، وفي مقدمهم اقرباء الذين دخلوا او ينتظرون دخول دول اوروبية للاقامة فيها مع عائلاتهم.

اذاً يمكن القول ان "المسرحية الاوروبية" بالنسبة الى الخوف من اللاجئين، هي مجرّد "بروفا" لما يمكن ان تقوم به اوروبا مستقبلا، والهاجس الامني هو الذي يرافق كل لاجئ تطأ قدماه ارضاً اوروبية وسيتم النظر اليه كمشروع ارهابي بعد سنوات قليلة، من هنا بدأت تحركات المواطنين الاوروبيين للتضييق على اللاجئين ولو عبر مخالفة القوانين والانظمة الى حد تهديدهم بالقتل.