تخفت الأصوات التي تنادي بانتخاب المرشح القوي والممثل الحقيقي للمسيحيين رئيسا للبلاد والتي علت كثيرا خلال الأشهر الـ16 الماضية لتترك الساحة لأصوات باتت تطالب حديثا بوجوب اجراء انتخابات نيابية اولا تُنتج سلطة جديدة يولد من كنفها رئيس الجمهورية.

ليس طرح اجراء انتخابات مباشرة من الشعب ولا الدعوة لانتخابات نيابية تسبق تلك الرئاسية جديدين على مسامع اللبنانيين، فكل المبادرات التي طرحها رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون منذ شغور سدة الرئاسة في ايار 2014 كان تدور في هذا الفلك، الا أن الجديد الذي طرأ على المشهد وحدة مواقف قوى "​8 آذار​" وخاصة موقفي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لجهة اسقاطهما طرح انتخاب عون، اي الرئيس القوي، رئيسا للبلاد بعدما أيقنا بعدم امكانية اقناع الفريق الخصم بالسير به، وتبنيهما خطة جديدة للتعاطي مع المرحلة تدفع باتجاه اجراء انتخابات نيابية تؤدي لتشكيل مجلس نيابي جديد ينتخب عون رئيسا من دون "جميلة" الفريق الخصم.

وتُظهر الخطة الجديدة الكثير من الثقة بالنفس لدى حلف "عون-حزب الله"، وهو ما يذكّرنا بالتفاؤل المفرط الذي أشاعه الطرفان عشية الانتخابات النيابية في العام 2009 والتي لم تنته كما تمنى فريق "8 آذار" بعد فوز فريق "14 آذار" الخصم بالأكثرية النيابية. اليوم يتعاطى هذا الحلف مع المعطيات بالثقة المفرطة نفسها اما اقتناعا منه بأن لا خيارات أخرى أمامه، أو ظنا منه بأن من خذلوه سابقا لن يخذلوه مجددا بعد كل التطورات التي شهدتها السنوات الماضية.

ولا شك أن الحشد الذي نجح التيار البرتقالي بتأمينه يوم الجمعة سيزيد من اصراره على التشبث بطرح "الانتخابات النيابية أولا" بعد نجاحه بامتحان شارعه الذي لم يخذله هذه المرة، فملأ ساحات وسط بيروت بمشهد صدم الأخصام الذين كانوا يعوّلون على خسارة جديدة مدوية للعماد عون بعد سلسلة الخسارات التي مني بها في الاشهر الماضية.

وتشير مصادر متابعة للحراك العوني الى عنصرين اساسيين كشف عنهما وزير الخارجية ورئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ في كلمته أمام الجماهير المحتشدة، اولهما أن الدعوة المرتقبة للتظاهر ستكون في باحات ​قصر بعبدا​، وثانيهما توعده بانضمام الحلفاء الى التحركات في الشارع بما بدا أنّه وعد من "حزب الله" بالانضمام الى الجماهير العونيّة في الاستحقاقات المقبلة.

وبالرغم من قراره المشاركة في ​طاولة الحوار​ التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يُدرك العماد عون أنها لن تلبي أيًّا من مطالبه لا بل هي ستسعى لاقناعه بالسير بمرشح توافقي للرئاسة يفضل الجنرال ان يمر على جثته. ولذلك تتوقع المصادر ألا تتأخر التحركات الشعبية والتي ستطرق ابواب قصر بعبدا المغلقة منذ أيار 2014، بمشهد تصعيدي قد يفرض معادلات جديدة.

بالمحصلة، وبقدر ما ترك مشهد ​ساحة الشهداء​ التي ارتدت حلة برتقالية بامتياز ارتياحا في نفوس العونيين، فقد أزعج الأخصام الذين باتوا يدركون أن استحقاق ​رئاسة الجمهورية​ ابتعد أكثر من اي وقت مضى، ما قد يدفعهم قريبا جدا للعودة الى حرب الساحات بدعوة جماهيرهم للتصدّي لجماهير عون الغفيرة.