منذ اكثر من سبع سنوات، التقى المسؤولون والزعماء اللبنانيون في قطر فيما اصطلح على تسميته "مؤتمر الدوحة" لايجاد حل للازمة اللبنانية، نجح القطريون في اخراجه بعد ان تم وضع سيناريو دولي واقليمي عبر انتخاب رئيس للجمهورية يعقبه انتخابات نيابية اتفق على صيغتها في الدوحة.

واليوم، وبعد ان شارك في مناسبة ذكرى "شهداء المقاومة اللبنانية" الذي اقامته "​القوات اللبنانية​"، توجه ​سمير جعجع​ الى الدوحة في زيارة رسمية-عائلية حيث اصطحب زوجته النائب ​ستريدا جعجع​ ووفد قواتي في زيارة تم الاعلان عنها على انها "رسمية".

ولكن الفارق انه بعد سبع سنوات، تغيرت المعطيات. فقطر لم تعد اللاعب الاقليمي الذي كانت عليه في ذلك الوقت، كما لم تحصل حاليا على تفويض مشابه للتفويض الذي نالته في العام 2008، فما الذي يريده جعجع من هذه الزيارة؟

لا ينوي جعجع بالطبع استبدال قطر بالسعودية التي زارها منذ فترة (تموز الفائت) واستُقبِل خلالها استقبالا "ملوكياً" اثار حفيظة حلفائه في قوى "14 آذار"، كما انه يعلم تماماً ان قطر لا يمكنها تخطي الشقيقة الاكبر "السعودية" التي التقى ملكها قبل ساعات الرئيس الاميركي باراك اوباما في واشنطن واصدرا بياناً مشتركاً في ما خص انتخاب رئيس للجمهورية.

ولكن ما يمكن ان يحصل عليه جعجع في المقابل، هو "رسالة" خليجية تتضمن "تمنياً" بأن يلعب دوراً ما في هذه المرحلة. ولكن بوصلة جعجع قد تكون قادته هذه المرة الى مكان غير مرغوب فيه، لان قطر متهمة حالياً من قبل شريحة من اللبنانيين بأنها تقف خلف الاحداث والتظاهرات التي شهدتها (وقد تشهدها) ساحة الشهداء في وسط بيروت. وبالتالي، فإن زيارة قطر حالياً تطرح الكثير من التساؤلات حول جدواها ولعل الابرز يكمن في معرفة الجدوى من الوصول اليها مباشرة بعد رفض جعجع المشاركة في ​طاولة الحوار​ التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري (حاول جعجع ان يحيده عن سبب رفضه المشاركة). ويطرح السؤال عن السبب الحقيقي لرفض هذه المشاركة، لانه من المعروف ان اي طرف يرفض المشاركة في حوار لبناني، يضع نفسه تلقائياً في قفص الاتهام بأنه يعرقل الحلول ويساهم في اخذ البلد الى المجهول، بغض النظر عن نتائج هذا الحوار وجدواه.

السؤال الثاني الذي يثير القلق هو ان جعجع برر رفضه المشاركة في الحوار بأن المشكلة هي في عدم انتخاب رئيس للجمهورية فقط، وكل ما عداه من مشاكل ليس اولوية ولن يكون باباً للحل. وعلى النقيض من ذلك، يرى الكثيرون ان مشكلة انتخاب رئيس، ليست لبنانية لانها ومنذ زمن بعيد، خلاصة تفاهمات واتفاقات اقليمية- دولية، وهو ما لم تنضج طبيعته بعد وبالتالي لا يمكن للبنانيين ان يقرروا لحظة انتخابهم لرئيس جمهورية، ويعلم جعجع ذلك تمام العلم.

ولكن منذ سبع سنوات، تم انتخاب رئيس ثم اجريت انتخابات نيابية، ولو ان الرئيس اتفق عليه واتت جلسة الانتخاب بمثابة اخراج رسمي للاتفاق. الا ان الامور هذه المرة ستطبخ في بيروت التي ستتولى الاخراج وليس الدوحة، مع بروز تيار معارض جداً لانتخاب رئيس قبل اقرار قانون انتخاب يعكس صحة التمثيل. فهل يأمل جعجع بأن تلعب قطر دوراً في خلط الاولويات مجدداً، ام ان الامور تتجه نحو السير بجزء من الحلول دون جعجع الذي قد ينضم الى الجزء الثاني من الحلول والتي ستتضمن بالطبع انتخاب رئيس للجمهورية (حين يحين الوقت)؟

دخل جعجع الى الدوحة اليوم وحيداً، فيما دخلها منذ سبع سنوات برفقة اقطاب لبنانيين للوصول الى حل للازمة، الا ان الحل هذه المرة ليس في قطر ولكن قد يحصل جعجع على "رسالة تلميح" لما يراه الخليجيون في هذه المرحلة.

لا شك ان الزيارة وضعت جعجع امام مشكلة محلية فيما سيكون رصيده في خطر، ووضعته ايضاً امام العديد من الاسئلة التي باتت الاجابة عليها ليست بالسهلة، خصوصاً عندما يتعلق الامر بقطر تحديداً، فما الذي سيحمله جعجع معه من الدوحة الى لبنان، وهل ستفيد العودة الى الوراء من اجل التقدم الى الامام؟