في الأشهر الأخيرة، كان الحديث واضحاً عن ترابط الملفين السوري واللبناني، بسبب توازن القوى الإقليمية والدولية، لكن لم يحسم أحد بوابة الإنطلاق في مسار التسويات المقبل: هل تكون من لبنان أم من سوريا؟

بالتزامن مع هذا الحديث، حصلت تطورات عدّة، لا سيما على العنوان الأساس الذي باتت تقوم عليه السياسة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، أي مكافحة ​الجماعات الإرهابية​، وأصبح من الواضح أن البوصلة تتجه إلى أن تكون الحرب على تلك الجماعات هي بوابة مسار التسويات، لا سيما بعد أن تفاقمت أزمة اللاجئين في القارة الأوروبية على نحو كبير.

من هذا المنطلق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الملف اللبناني وضع على لائحة الإنتظار الإقليمية والدولية، خصوصاً أنه لا يشكل أولوية بالنسبة إلى القوى الفاعلة، وتلفت إلى أن المطلوب من القوى المحلية العمل على تمرير المرحلة الراهنة بأقل قدر ممكن من الخسائر، وإلا سيكون على الشعب اللبناني تحمل تبعات الفوضى الخلاقة التي ستقع، نظراً إلى أن الأوضاع لا تسمح بفتح طاولة حوار لبحث أزمته، بعيداً عن الواقع القائم على مستوى منطقة الشرق الأوسط.

وتشدد هذه المصادر على أن القوى الأساسية في البلاد تدرك جيداً هذه الحقيقة، بسبب وصول العديد من الإشارات الدبلوماسية التي تصب في هذا الإطار، وتوضح أن التأكيدات على ضرورة الحفاظ على الإستقرار الداخلي، من خلال تقديم مختلف أنواع الدعم لحكومة المصلحة الوطنية برئاسة ​تمام سلام​، بالإضافة إلى تقديم المساعدات إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، انطلاقاً من الرغبة الخارجية بعدم إشعال صراع جديد قد يؤدي إلى تعقيد الأزمة القائمة، خصوصاً أن الجميع أدرك أن لا بديل عن الحوار إلا الصدامات التي تستفيد منها الجماعات الإرهابية إلى أقصى الحدود.

بالنسبة إلى هذه المصادر، التحولات التي تحصل على مستوى المنطقة والعالم، تؤشر إلى أن مكافحة الجماعات الإرهابية ستكون أولوية الدول الكبرى، الراغبة بالقضاء على هذه الآفة من جديد، نظراً إلى أنها باتت تهدد أمنها القومي، بالإضافة إلى وضع حد لحركة اللجوء إلى البلدان الغربية، بسبب التداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن هذا الأمر، وتلفت إلى أن إعادة الهدوء إلى بعض الساحات المشتعلة سيكون أولوية لمنع دفع المزيد من النازحين نحو الهجرة، وتؤكد بأن هناك إجراءات عملية سوف يتم اللجوء إلى إعتمادها في الأيام المقبلة من أجل تحقيق هذه الغاية.

وتكشف هذه المصادر أن كلا من الولايات المتحدة و​روسيا​ سوف تعمدان، في المرحلة المقبلة، إلى تعزيز التعاون بينهما، سواء بصورة علنية أو سرية، بهدف التنسيق في الحرب على الجماعات الإرهابية التي تعمل على الساحة السورية، خصوصاً تنظيمي "داعش" و"​جبهة النصرة​" الإرهابيين، تحت سقف البحث عن حل سياسي لا ينص على رحيل الرئيس السوري ​بشار الأسد​، خلال الفترة الإنتقالية بالحد الأدنى، وتوضح أن الدبلوماسية الأوروبية باتت جاهزة لقبول هكذا إقتراح، بحسب ما أكد أكثر من مسؤول في الفترة الأخيرة، لكنها تشير إلى أن الموضوع يتطلب دفع القوى الإقليمية، خصوصاً تلك التي تدعم قوى المعارضة السورية على التنازل عن بعض مطالبها، مقابل تشكيل حكومة توافقية تضم بعض الجهات "المعتدلة".

وتلفت المصادر السياسية المطلعة إلى أن الإعلان الأميركي الأخير عن فشل برنامج تدريب قوى المعارضة، مقابل الحديث عن تعزيز الدعم الروسي العسكري، يأتي في السياق الذي يدعم نظرية ضرورة تضافر كافة الجهود سريعاً، لمنع سقوط مؤسسات الدولة السورية، لا سيما العسكرية والأمنية، بهدف قطع الطريق أمام سيطرة الإرهابيين على البلاد.

على هذا الصعيد، تعتبر المصادر نفسها أن هذه المعادلة، التي من المفترض أن تشكل الحدث لفترة طويلة من الوقت، ستفرض توازنات جديدة على مستوى النفوذ في المنطقة، لا سيما في سوريا و​العراق​، وتشير إلى أن هذه المستجدات هي التي ستحكم الشكل الذي ستخرج به التسوية اللبنانية، نظراً إلى أن بيروت لا يمكن أن تكون جزيرة معزولة عما يجري حولها من أحداث، وترى أن المطلوب هو أن تكون أجواء الإنتظار معتدلة لا ملتهبة.

في المحصلة، تشدد هذه المصادر على أن مصير اللبنانيين ليس ييدهم، لكنها توضح أن وضعهم في المرحلة الإنتقالية لم يخرج عن السيطرة بعد، وتلفت إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه هو عما إذا كانوا يفضلون إنتظار التحولات على طاولة الحوار أم بالخنادق؟