يشكل شارع "الشاكرية" علامة فارقة بين شوارع ​مدينة صيدا​، اذ يعتبر من أقدمها مع أسواقها التجارية حيث يفوق عمره 125 عاما، ورغم ان اسمه مسجّل رسميا في بلدية صيدا بشارع "الرئيس بشارة الخوري" الذي أطلق عليه أواسط الاربعينيات، الا أن جميع أبناء المدينة ومنطقتها يعرفونه بإسم شارع "الشاكرية" وهي كلمة تركية وتعني بالعربية "السكين".

المؤرخون في أصل تسمية الشارع، يوضح بعضهم انها تعود الى الوالي التركي شاكر باشا الذي افتتح بوابة أطلق عليها اسمه بوابة "الشاكرية" وأصبح فيما بعد شارع "الشاكرية"، والبعض الاخر يرى ان التسمية جاءت نسبة الى مقهى "الشاكرية" لان صاحبه كان يحمل دائما سكينا... بينما يؤكد كبار الصيداويين ان هذا الشارع كان بمثابة الوسط التجاري لمدينة صيدا ما قبل الاربعينيات ويعتبر أقدم سوق تجاري خارج المدينة القديمة وقد افتتح قبل شارعي "الاوقاف" و"رياض الصلح" التجاريين ما بين 1950 الى 1954.

وقد تألق الشارع عقودا طويلة وعاش اوج مجده قبل ان يبدأ نجمه بالأفول، فكان مركزا تجاريا حيويا لكل شيء بدءا من المواصلات والاتصالات والطبابة مرورا بالعطارة والصيرفة والمجوهرات، وصولا الى الحلويات والمأكولات... وقد تحول اليوم الى سوق تجاري للالبسة الجاهزة النسائية منها والولادية والرجالية والاحذية واكسسورات العرائس وسواها...

مواصلات وصيرفة

يقع شارع "الشاكرية" عند التخوم الشرقية للمدينة القديمة ويمتد من مقبرة صيدا القديمة شمالا حتى "القشلة" غربا قبالة قلعة صيدا البحرية وكان يشكل صلة الوصل بين المدينة القديمة والحديثة من خلال شوارع "المطران" و"الاوقاف" و"فخر الدين" و"الشهداء" والقلعتين البرية والبحرية.

ما قبل الاربعينيات، إشتهر بانه مركز خطوط مواصلات لكل لبنان، لا سيما مع فلسطين ومصر، ومواقف للسيارات على خط "صيدا-بيروت"، "صيدا-الجنوب"، "صيدا-فلسطين" وعبرها الى مصر و"صيدا-الشام" ومع ثلاث محطات وقود تلاشت جميعها وفيه مركز بريد صيدا الرئيسي.

ويقول صيرفي صيداوي ان ​شارع الشاكرية​ بدأ يتحول تدريجيا بعد الخمسينيات حيث افتتح فيه أول صراف في صيدا من قبل الصيرفي وديع عودة الذي تحول لاحقا من صراف الى مصرف وهذا المصرف أصبح في ما بعد بنك عودة الذي انطلق من شارع الشاكرية ليعم كل لبنان والعالم وبات على هذه المكانة المصرفية المرموقة ثم افتتحت لاحقا محلات الصيارفة محمد مرجان وعمر القطب ونقولا الزهار وغيرهم وجميعها إما أقفلت أو انتقلت من الشاكرية الى رياض الصلح.

ومن قلب هذا الشارع، إنطلقت أشهر محال بيع الحلويات مثل الديماسي والقصير والسوسي والسنيورة وغيرها، وفيه افتتح أول "نزل" في صيدا قبل 100 عام ولم تكن تعرف تسمية "اوتيل" أو "فندق" في تلك الايام خارج العاصمة بيروت، كان اسمها في صيدا "نزل" وعددها في الشارع خمسة وهي "نزل الشرق"، "لبنان" و"فينيقيا"، "عطية" و"رومانوس" ومصنفة سياحيا "نجمة واحدة فئة ب" وجميعها أقفلت ولم يبق إلا "نزل الشرق" الذي قام صاحبه بلال السوسي بتغيير إسمه الى أوتيل "الشرق" بالفرنسية والعربية لان هذا الجيل لا يعرف معنى كلمة "نزل"، وقبله كان "كوبراتيف" أي تعاونية ومنامة للجيشين الفرنسي والانكليزي خلال حقبة الانتداب، وهو كان أيام الاتراك "نزل".

عطارة... فلافل

وعرف هذا الشارع أول وأقدم "عطارة" في صيدا والجنوب والاقليم والشوف-"عطارة عزام"، وكانت مقصدا لكل أبناء المنطقة إضافة الى "العطارة الحديثة" لصاحبها نزيه السوسي والى "المطاعم" التي افتتحها خارج المدينة القديمة كل من ابراهيم عيطور وابراهيم العر والنقوزي وهي عبارة عن مطاعم فول ولحمة ودجاج، فضلا عن وجود أكثر من "فرن".

ويشير محمد العكاوي إلى أن أول ما اشتهرت "أكلة" الفلافل في صيدا كانت في هذا الشارع-"الشاكرية" ودخلت الى المدينة عبر آل العكاوي الذين تهجّروا من فلسطين وافتتحوا مطعم "فلافل العكاوي" أول الخمسينيات... وحتى "البن" المطحون أصبح يباع في محلاته وأدخلت في حينه عائلات فلسطينية تهجرت من فلسطين مثل آل شحادة وآل نفّاع وكان البن قبل الخمسينيات يعد ويطحن داخل البيوت.

كان الشارع مركزا لعيادات أطباء صيدا، ففي نهايته كانت تقع مستشفى لبيب أبو ظهر القديمة قبالة القلعة البحرية والتي أزيلت من مكانها، وعيادة الدكتور سليم خوري وغيره، كما كان مركزا لصيادلة المدينة حيث كانت فيه صيدليات لكل من وديع ايوب ومرجان وفضلو واكيم وفضل الشماع وصيدلية النعسان وجميعها إما أقفلت أو أزيلت ولم يبق فيه إلا صيدلية محمد مرجان.

ويؤكد علي الحريري، أنه مع فورة المغتربين الصيداويين والجنوبيين العائدين من بلاد الاغتراب ان من الدول الافريقية أو من الخليج العربي وبعد فورة البترول منذ منتصف الستينيات وصولا الى السبعينيات بدأت الملامح الاقتصادية، وراح التغيير يطال شارع الشاكرية لجهة استخداماته، والبداية كانت بافتتاح أول محل لبيع وشراء الذهب والمجوهرات بينما تعتبر مكتبة شريف الانصاري أول مكتبة خارج صيدا القديمة وكانت تعود ملكيتها منذ أواخر القرن التاسع عشر للوالد عبد الرحمن الانصاري.

التحول.. وركود

مع بداية السبعينيات، بدأ التحول الكبير يغير معالم هذا الشارع مع تنامي ظاهرة الطفرة المالية والتحولات الاقتصادية التي ظهرت، وحاجة السوق الاستهلاكي عبر مستثمرين جدد استفادوا من عملهم في الخارج.

أما اليوم، فبات شارع الشاكرية يعاني من ركود كأي شارع أو سوق تجاري في المدينة وبات يعتمد على الاعياد، كشهر رمضان أو رأس السنة حيث تحوّل رواده الى زبائن من مختلف شـرائح المجتمع ويغلب عليه حاليا الطابع الشعبي.