جاء خطاب الرئيس ال​فلسطين​ي محمود عبّاس أمام ​الأمم المتحدة​ في نيويورك، ليفتح الباب من جديد أمام واقع سياسي مختلف عن السابق في ما يتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل"، خصوصاً وأنّ "أبو مازن" أعلن أن السلطة الفلسطينية لا يمكنها الاستمرار في الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي في ظل عدم التزامه بها وخرقها بشكل دائم.

ورغم أن البعض قلل من أهمية الخطاب وما حمله من رسائل ومعانٍ فرضت نوعاً من الضبابية، رأى آخرون أنه شكّل قنبلة سياسية من العيار الثقيل، إلا أنّه يحتاج إلى ترجمة عملية وجادة.

محاولة للتضليل

برأي القيادي في حركة "حماس" يحيى موسى، فإنّ خطاب الرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​ لم يأتِ بجديد يمكن البناء عليه، مشيراً إلى أنّه تحدّث بمنطق من يستجدي لقاءات ومبادرات جديدة، لافتاً إلى أنّه من الناحية العملية "كلام تضليلي للاستهلاك المحلي وكل حديثه يأتي في مربع السلام والتسوية ومجلس الأمن". ولفت إلى أنّه لا يمكن اعتبار أن هنالك استراتيجية جديدة لديه للخروج من نمط المفاوضات مع إسرائيل والتنسيق الأمني.

وفي حديث لـ"النشرة"، يوضح موسى أن كل ما ذكر في الخطاب هو بمثابة تهديدات في الهوامش، تعلمها "إسرائيل" وأميركا، واضعًا الخطاب في سياقٍ عاطفي لا يمكن أن يغير السياسات التي تتبعها السلطة الفلسطينية منذ اثنين وعشرين عاماً.

قنبلة من العيار الثقيل

مقاربة موسى للخطاب لا تبدو متوافقة أبدًا مع مقاربة الدبلوماسي الفلسطيني علاء أبو عامر، الذي على عكس موسى يشيد بالخطاب، معتبراً أنّه يشكّل تحليلاً صريحاً وواضحاً من كل اتفاقية أوسلو، إلا أنّه يرى أن الأهم الآن هو كيف سيترجم الرئيس الفلسطيني والسلطة الفلسطينية كل ما تحدث عنه إلى آليات على أرض الواقع.

وفي حديث لـ"النشرة"، يتوقف أبو عامر عند النبرة التي كان يتحدث فيها "أبو مازن" والطريقة التي حضر فيها الخطاب لشعبه وزعماء العرب والعالم، الأمر الذي أوحى بأنّه "جدّي" في ما يقوله، على حدّ تعبيره.

وفي مضمون الخطاب، يلفت أبو عامر إلى تأكيد الرئيس الفلسطيني أنّه لن يتعاون مع ال​اسرائيل​يين، ما يعني وقف التنسيق الأمني وكل جوانبه بما فيها اتفاقية باريس الاقتصادية، ويعتبر أنّ عباس فجّر أيضًا قنبلة من العيار الثقيل عندما أعلن أنّ فلسطين أصبحت "دولة تحت الاحتلال".

إجراءات حقيقية

هذه القنبلة التي يتحدّث عنها أبو عامر تبقى "قنبلة صوتية لم تنفجر بعد" بحسب وصف الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، الذي يصنّف خطاب عباس على أنّه "مناورة ضبابية"، معتبراً أنّ إعلانه عدم الالتزام بالاتفاقات الموقعة مع "إسرائيل" يحتاج إلى ترجمة فعلية على أرض الواقع.

وفي حديث لـ"النشرة"، يتساءل ابراهيم عن الخطوات العملية التي سيلجأ إليها عباس بعد الخطاب، وما إذا كان سيوقف التنسيق المدني والأمني مع إسرائيل على سبيل المثال، وما إذا كان سيعمد لوقف التعامل باتفاقية باريس الاقتصادية والتبادل التجاري في ما يتعلق بالسلع والبضائع والاستيراد والتصدير وغيرها من الاتفاقات. وأضاف: "المطلوب أن يكون هناك استراتيجية وطنية جامعة وموحّدة من شأنها تحويل الخطاب من مجرّد كلام إلى أفعال".

في المحصّلة، قد يكون خطاب الرئيس الفلسطيني حمل بين طيّاته الكثير من القنابل الكلامية، إلا أنّها تبقى مجرّد قنابل صوتية ودخانية لن تترك أثراً ما لم يعمد الفلسطينيون أنفسهم إلى الاتفاق على آليات عمل حقيقية لمواجهة الوضع الذي يرزحون تحته، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون التوافق فيما بينهم ولو بالحدّ الأدنى...