منذ سُقوط أوّل صاروخ جوّ-أرض روسي في سوريا كثرت التحليلات بشأن أسباب التدخّل العسكري الروسي وتأثيره الحاسم لصالح النظام السوري في معركته ضُدّ خصومه الكُثر. لكنّ قلّة من التحليلات رأت أنّ التدخّل العسكري الروسي المُباشر في النزاع السوري المُستمرّ منذ أربع سنوات ونصف السنة قد ينقلب في نهاية المطاف ضُدّ الرئيس ​بشار الأسد​!

البداية مع خلاصة للتحليلات التي رأت في التدخّل العسكري الروسي نقطة دعم إضافيّة في صالح النظام السوري، للأسباب التالية:

أوّلاً: إنّ الغارات الجويّة الروسيّة تستهدف مواقع ومراكز وتجمّعات تابعة لجماعات مُصنّفة في خانة "المعارضات" السوريّة المتعدّدة من خارج تنظيم "داعش"، أيّ الجهات التي يخشاها النظام السوري والتي يُقاتلها بشراسة، الأمر الذي يعني إنخراطاً ​روسيا​ً مُباشراً في القتال إلى جانب ​الجيش السوري​ والقوى الأخرى الحليفة له.

ثانياً: إنّ عدم تردّد موسكو في إستخدام القوّة العسكريّة في سوريا أثبت مرّة جديدة الموقف الروسي الحازم إلى جانب القيادة السوريّة، وعدم خشيتها من التورّط في معارك جديدة خارج أراضيها دفاعاً عن مصالحها المباشرة وعن حلفائها.

ثالثاً: إنّ التدخّل العسكري الروسي سيمدّ كل القوى التي تُدافع عن النظام السوري بدعم معنوي كبير، وهو قد يُساعد في تحقيق بعض النتائج الميدانية الإيجابيّة بالنسبة إلى الجيش السوري الذي صار يستفيد من تغطية جويّة عالية الفعاليّة، مع إمكان تنسيق هجمات واسعة بتغطية جويّة روسية وبمشاركة وحدات برّية من الجيش السوري و​الحرس الثوري الإيراني​ و"حزب الله".

رابعاً: إنّ من شأن ضرب كل الجماعات السورية المُسلّحة من دون إستثناء، ومُشاركة أعداد كبيرة من الدول ولو لأهداف ومصالح مختلفة وحتى مُتضاربة، أن يُنهك كل الجماعات المُسلّحة التي تُقاتل الجيش السوري.

في المقابل، رأت تحليلات أخرى أنّ التدخّل العسكري الروسي في سوريا، قد يؤتي بنتائج إيجابية قصيرة المدى لصالح النظام، لكنّه سينعكس سلباً عليه مع مرور الوقت، للأسباب التالية:

أوّلاً: إنّ حجم التدخّل حتى اليوم(1)غير قادر على قلب موازين القوى على الأرض، وإن كان يُشكّل ورقة رابحة تكتيكيّاً على بعض الجبهات. وإذا كان سربان جويّان قادرين على قلب المعادلة، فعندها يجب التساؤل عمّا كان الطيّارون السوريّون يفعلونه على مدى أربع سنوات ونيّف، علماً أنّهم يستخدمون نفس الطائرات والصواريخ الروسية!

ثانياً: إنّ من شأن التدخّل العسكري الروسي، والذي قامت الكنيسة الأرثوذكسيّة بوصفه بالمقدّس، أن يُشكّل دافعاً تحريضياً ممتازاً للجماعات الإسلاميّة لتجنيد المقاتلين الجُدد وللحصول على مزيد من التمويل والدعم من الهيئات الإسلامية المُتعصّبة. وهو سيقوّي أيضاً الشرخ الطائفي والمذهبي الذي يُحيط بالحرب السوريّة.

ثالثاً: إنّ القيادة الروسيّة التي إستقبلت في موسكو في السنتين الأخيرتين ثلاثة وفود من المعارضة السورية بدون أن تنجح في إقناعها بالحلول التي تقترحها لحلّ ​الأزمة السورية​، تُحاول حالياً-ومن موقع قُوّة، تسويق أحد المشاريع الجديدة لوقف الحرب في سوريا، ينصّ على أن يُواصل الرئيس السوري ولايته، على أن تجري في نهاية ذلك إنتخابات جديدة بإشراف دَولي.

رابعاً: إنّ التدخّل العسكري الروسي يدلّ على تراجع القدرات القتالية للجيش السوري، وعن عجزه عن التقدّم وحتى عن حماية مواقعه، من دون دعم من جيش خارجي مُنظّم.

خامساً: إنّ التدخّل الروسي يأتي في فترة ضعف إقليميّة ودَوليّة، حيث أنّ تركيا منهمكة حالياً في معركتها مع الجماعات الكرديّة المُسلّحة، والسعودية مشغولة بمعارك اليمن التي تحوّلت إلى حرب إستنزافيّة، و​أوروبا​ مهمومة بسبل مُعالجة أزمة اللاجئين المفتوحة على مصراعيها، والولايات المتحدة الأميركية مُرتبكة إزاء فشل خططها لمحاربة "داعش" ولتشكيل نواة من "المُعارضة السورية المُعتدلة". لكنّ كل هذه المعطيات التي شكّلت ثغرة تسرّبت منها موسكو إلى العمق السوري، يُمكن أن تتبدّل في أيّ وقت في المستقبل.

سادساً: إنّ الدعم أو أقلّه عدم المُمانعة الغربيّة للتدخّل العسكري الروسي في سوريا كان على أساس المُشاركة في قتال إرهابيّي "داعش"، لكنّ توجيه الصواريخ إلى جماعات مُسلّحة أخرى من شأنه أن يقلب التأييد إلى مُعارضة، مع كل إرتدادات وسلبيّات هذا التحوّل.

سابعاً: إنّ ​الجيش الروسي​ القوي بدون أدنى شك دخل في حرب دامية على حدوده، في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وخرج منها خاسراً(2)أمام الإسلاميّين المُتشدّدين الذين تلقّوا الدعم من العالم الإسلامي ومن الولايات المتحدة الأميركيّة تحت عنوان محاربة الشيوعيّة آنذاك. ولا شيء يمنع أن يتحوّل الإنغماس الروسي الحالي في الوحول السوريّة، من مُجرّد غارات جويّة إلى تدخّل برّي في المُستقبل، مع كل فرص تحوّل الأرض السورية إلى أفغانستان جديدة لروسيا.

ثامناً: إنّ زيادة التورّط الروسي في الوحول السوريّة من شأنه أن يُقويّ التنافس بين موسكو وطهران على إستخدام الورقة السورية في مفاوضات كلّ منهما مع الدول الغربيّة. وتُحاول روسيا بذلك خطف الدور الإقليمي لإيران، عبر إمساك الملفّ السوري بحزم.

في الخلاصة، قد يصبّ التدخّل العسكري الروسي الحالي في سوريا في صالح النظام السوري على المدى القصير، وعلى بعض الجبهات بالتحديد، لكنّه قد ينقلب ضدّ الرئيس السوري بشاّر الأسد على المدى الطويل لأنّه سيدخل روسيا في بازار المُساومة على التسوية المُستقبليّة في سوريا، مع كل ما يعني هذا الأمر من أخذ وردّ ومن تنازل هنا ومن مكسب هناك، ولأنّه سيُشكّل أيضاً حافزاً لتغذية نار الحرب السورية بعشرات آلاف الإسلاميّين المُتشدّدين من مختلف أصقاع الأرض، ما يعني أنّ الرئيس الأسد الذي سيُصبح مصيره مُعلقاً بلعبة التوازنات الدَوليّة الدقيقة أكثر فأكثر، سيتعرّض لمزيد من الضغوط العسكريّة وسيُصبح بقاء نظامه مُرتبطاً أكثر من أيّ وقت مضى بالجيش الروسي وبالقوى الخارجيّة الأخرى.

(1)نشرت روسيا حتى تاريخه 28 طائرة حربيّة، و14 طوافة، ومجموعة من الدبابات والمدافع والجنود لحماية قواعدها المُستحدثة، إضافة طبعاً إلى بعض المعدّات اللوجستيّة.

(2)إستمرت حرب أفغانستان نحو تسع سنوات، إعتباراً من نهاية العام 1979 حتى بداية العام 1989، وإنتهت بإنسحاب جيش الإتحاد السوفياتي بعد أن سقط له 14,453 عسكرياً، إضافة إلى الجرحى والخسائر المادية الجسيمة، علماً أنّ عدد القوات الروسية التي شاركت بقتال من كان يُطلق عليهم إسم "المُجاهدين" بلغ بحدّه الأقصى 110,000 عسكري.