من إستقالة وزير البيئة ​محمد المشنوق​ ومحاسبة وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​، مروراً بإسقاط النظام والحكومة ومجلس النواب في آن معاً، وصولاً الى الغاء ​الطائفية السياسية​ وعقد مؤتمر تأسيسي، لم يترك الشيوعيون واليساريون وما تفرّع عنهم من قوميين وناصريين وإشتراكيين سابقين، شعاراً فضفاضاً واحداً الاّ ورفعوه في ساحات رياض الصلح والشهداء وسمير قصير، بعدما نزلوا الى الشارع تحت إسم "​الحراك المدني​" مستغلين أزمة ​النفايات​. هذه الشعارات الفضفاضة، حضرت أيضاً أمام بعض الوزارات، وكأن المؤتمر التأسيسي لتغيير النظام، لا يمكن أن ينعقد الا بموافقة وزير البيئة محمد المشنوق أو وزير الطاقة ​أرتور نظاريان​ أو وزير الماليّة ​علي حسن خليل​. شعارات، يكفي أن تراقب المسار الإنحداري والتخبطي للتحركات التي ترفع فيها هذه الشعارات من 22 آب وحتى اليوم، كي تتأكد أن تحقيق ولو مطلب واحد منها، هو من سابع المستحيلات بفضل هكذا حراك، حتى أن بعض هذه المطالب، تعجز الدول الإقليمية والغربية الكبرى عن تحقيقه نظراً لما يثيره من هواجس ومخاوف لدى شرائح واسعة من مكونات المجتمع اللبناني.

ولكن، إذا قررنا أن نصدق ولو للحظة أن هذا الحراك قد يتمكن من تحقيق أحد هذه المطالب، فالإطلاع على ملفات التحقيقات التي أجريت مع موقوفي التظاهرات، كفيل بأن يعيدنا الى واقعيتنا، وبأن يثبت بما لا يقبل الشك، أن الذين يطلقون على أنفسهم لقب "الثوار"، أو بالأحرى الغالبية الساحقة منهم، لا يدرون ماذا يفعلون.

ففي التحقيق مع أحد المشاغبين، الذين تبرأ منهم الحراك في البداية على أنهم من المندسين، وسرعان ما جّند لهم فريق دفاع من المحامين، بذل كل ما لديه من طاقات وإجتهادات لإطلاق آخر موقوف منهم، سأل المحقق الموقوف "الثائر"، "لماذا قمت برشق القوى الأمنية بالحجارة؟ ألا تعرف أن عملاً كهذا يشكل مخالفة قانونية تلاحق على أساسها؟"

أما الجواب، وبكل بساطة، "ما حصل معي لم يكن إلا فشّة خلق، فأنا نزلت الى الساحة على أمل أن أجري مقابلة تلفزيونية مباشرة كما كان يحصل مع غالبية المتظاهرين، ولما حاولت مراراً وتكراراً التقرب من المراسلين، ولم يفتح لي أحدهم المجال في التعبير عن رأيي أمام عدسة الكاميرا، غضبت كثيراً وكانت ردة الفعل برشق القوى الأمنية بعصي الأعلام وعبوات المياه والحجارة".

مشاغب آخر نزل سيراً على الأقدام من الشويفات للمشاركة في التظاهرة، وحاول خلال التحقيق غسل يديه من الحراك والإيحاء بأنه لم ينزل الى الشارع عن قناعة، سُئل خلال التحقيق: "ما دمت تقول إنك لست على علاقة بمنظمي التظاهرات ولا تهمك مطالبهم، لماذا شاركت ليومين متتاليين على رغم إكتشافك في اليوم الأول أن التحرك إنحرف عن مساره السلمي وإتخذ طابعاً عنفياً مع القوى الأمنية؟" أما جوابه الذي صدم المحققين، فجاء الشكل التالي: "في الحقيقة أنني تعرفت في اليوم الأول على فتاة مشاركة في التظاهرة، وبعد التعارف والحديث الطويل بيننا، إتفقنا أن نلتقي في اليوم التالي خلال التحرك، وهكذا حصل".

إفادتان إضافة الى ما يمكن أن يكشف لاحقاً من هذه الملفات وغيرها، هي غيض من فيض هذه "الثورة"، التي، وبعد مرور أسابيع عدة من الحوار الإستيعابي الذي أراده وزير الزراعة أكرم شهيب مع مكوناتها للتوصل الى خطة لمعالجة أزمة النفايات، لم يتفق "ثوارها" بعد على رؤية موحدة للخطة، وقد يكون السبب أنهم لا يريدون أن يتفقوا بهدف البقاء في الشارع!