عمليات المقاومة الشعبية تُعيد خلط الأوراق في القدس والضفة الغربية

تعيش القدس والضفة الغربية مرحلة حسّاسة ودقيقة في ظل التصعيد الإسرائيلي الذي يُواجه بعمليات فدائية نفّذها فلسطينيون ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، ما يجعل الاحتمالات كافة مفتوحة على مصراعيها مع بوادر إرتفاع وتيرة المقاومة الشعبية، خاصة وأن المشهد الحالي شبيه بما جرى في مثل هذه الأيام من العام 2000، حيث كانت شرارة إندلاع «الإنتفاضة الثانية» ومن المسجد الأقصى.

ومن الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستغلّ الواقع الذي تمرّ به المنطقة والإنشغال الدولي بقضايا أُخرى، لتنفيذ المخططات الصهيونية، بتكريس «يهودية الدولة» على أرض الواقع، وإظهار أن الإسرائيليين ضحايا العُنف الفلسطيني، فيما حقيقة الأمر، أن ما يقوم به الفلسطينيون هو أقلّ الواجب، ويأتي ذلك رداً على ممارسات المستوطنين والاحتلال، وفي إطار المقاومة الشعبية المشروعة لمن ما زالت أرضه تحت الإحتلال.

ما يجري من تصعيد إسرائيلي، هو ترجمة لخطاب نتنياهو في «الأمم المتحدة»، وللتغطية على الإنجاز الفلسطيني برفع العلم فوق مقرّات «الأمم المتحدة» في نيويورك وجنيف وفيينا، والكلمة الهامّة للرئيس الفلسطيني محمود عباس التي أعلن فيها تحلله من إتفاقيات أوسلو ما دام الاحتلال لا يلتزم بها، فضلاً عن المكتسبات التي تُحققها القضية الفلسطينية في مقابل إخفاقات إسرائيلية.

فقد أعلن نتنياهو أن «إسرائيل» «تخوض معركة حتى الموت ضد الإرهاب الفلسطيني»، آمراً باتخاذ إجراءات شديدة بعد مقتل إسرائيليين في القدس.

تعليمات رئيس وزراء العدو، جاءت بعد اجتماع له مع وزيري الدفاع والأمن الداخلي ومسؤولين أمنيين، وهي تقضي بـ«لجوء أوسع إلى إعتقال المشتبه بهم إدارياً دون محاكمة وتعزيز قوات الأمن في القدس والضفة الغربية، وفرض قيود على دخول المحرّضين لجبل الهيكل» (المرابطين في المسجد الأقصى).

وأكدت مصادر مقرّبة من القيادة الفلسطينية أن «القيادة تدعم أي عمل طابعه سلمي مقاوم ويصبّ في إطار المقاومة الشعبية المشروعة، وهو ما تشهده القدس والضفة الغربية، حيث يتصدّى المواطنون لقوات الاحتلال لدى محاولة إعتقال مواطنين».

ويُبدي قياديون فلسطينيون الخشية من إستغلال نتنياهو لِمَا يجري والإقدام على سرقة المزيد من الأراضي وتوسيع وشرعنة الإستيطان، لتصوير الأمر وكأن الفلسطينيين هم البؤر وليس المستوطنين.

وقد فرضت سلطات الاحتلال إجراءات أمنية مشدّدة على البلدة القديمة في القدس ومنعت الفلسطينيين من الدخول إليها لمدة يومين في مشهد يُعيد إلى الأذهان إعادة احتلالها مجدداً. وهو ما ينسحب على مناطق الضفة الغربية التي قُطِّعت أوصال محافظاتها وأيضاً فصلها عن المدينة القديمة.

وتلقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء أمس اتصــالاً هاتــفياً من الأمين العام لـ«الأمم المـتحدة» بان كي مون، جرى خلاله بحث الأحداث الأخيرة والتصعيد الخطير في الأراضي الفلسطينية، خاصة اقتحامات واستفزازات المستوطنين، بحماية الجيش الإسرائيلي، سواء للمسجد الأقصى، أو لقطع الطرقات واقتحام القرى.

وطالب الرئيس عباس بسرعة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.

وأبلغه كي مون أنه سيجري اتصالاً مع نتنياهو لنقل الرسالة من أجل وقف التصعيد الذي يقوم به المستوطنون.

وما حذّر منه الرئيس الفلسطيني مراراً وتكراراً ودقّ «ناقوس الخطر» من على منبر «الأمم المتحدة» بخطورة تجاوزات سلطات الاحتلال، وتأكيده على أن الوضع الحالي غير قابل للإستمرار، كان تشخيصاً دقيقاً لواقع الحال.

ففي الوقت الذي يُواصل فيه المستوطنون إستباحة باحات المسجد الأقصى لممارسة طقوسهم وشعائرهم التلمودية، وتنفيذ أكثر من 110 مستوطنين إقتحام باحات المسجد، يقدم الاحتلال على منع المصلّين من الدخول إلى المسجد الأقصى، بل يعمل على إعتقال المرابطين داخله، الذين يتصدّون بأجسادهم العارية للمستوطنين وقوات الاحتلال التي تستخدم الرصاص الحيّ والمطاطي وقنابل الغاز والدخان والفلفل، فيما يحوّل الاحتلال المدينة المقدّسة إلى ثكنة عسكرية.

وقد سجلت اصابة 77 فلسطينياً بالرصاص الحي والمطاطي في القدس والضفة خلال المواجهات مع الاحتلال.

هذه الممارسات والاستباحة المتواصلة للضفة الغربية، وقمع الشبّان المتظاهرين، وإطلاق الرصاص الحيّ بإتجاههم، مع مواصلة تأمين الحماية للمستوطنين قَتَلَة الأطفال حرقاً، الذين يحرقون الأراضي الزراعية ويعتدون على المواطنين، كان الفلسطينيون يردّون عليها على طريقتهم بعمليات بطولية فدائية تنفّذ بالسلاح الأبيض أو الفردي، وتستهدف جنوداً ومستوطنين في القدس والضفة الغربية الواقعتين تحت الاحتلال الإسرائيلي.

فقد شكّلت العملية الفدائية للشهيد مهنّد رفيق حلبي (19 عاما) التي وقعت أمس الأول في القدس، حدثاً هامّاً لجهة طريقة تنفيذها أو إصراره على التنفيذ، وآخر الكلمات التي كتبها على صفحة الـ«فايسبوك» الخاصة به.

العملية تمثّلت بإقدام الشاب مهنّد من مدينة البيرة في الضفة الغربية على طعن مستوطن بالقرب من باب الأسباط داخل مدينة القدس القديمة قبل أن يأخذ مسدسه ويُطلق النار على مستوطنين آخرين وكانت الحصيلة مقتل مستوطنين وإصابة 2 آخرين بجراح.

عملية الفدائي مهنّد جاءت تنفيذاً لعهد كان قد قطعه على نفسه خلال تقديم التعازي لوالد الشهيد المهنّدس ضياء التلاحمة (عبد الحليم) الذي سقط على أيدي جنود الاحتلال قرب بلدة خرسا في محافظة الخليل، وذلك في حفل التأبين الذي أُقيم في «جامعة القدس»، حيث قبّل رأس والد الشهيد مُعاهداً على الانتقام له.

وقد كتب الشهيد مهنّد على صفحته قبل تنفيذ العملية: «حسب ما أرى فإن الإنتفاضة الثالثة قد إنطلقت، ما يجري للأقصى، هو ما يجري لمقدساتنا ومسرى نبيّنا، وما يجري لنساء الأقصى، هو ما يجري لأمهاتنا وأخواتنا، فلا أظن أن شعباً يرضى بالذل، الشعب سينتفض، بل ينتفض».

ولأن الشعب الفلسطيني وفيّ ويقدّس الشهداء، فقد أطلق المواطن زياد أبو طعيمه من محافظة خان يونس - جنوب قطاع غزة إسم «مهنّد» على مولوده الذي أبصر النور صباح أمس تيمّناً باسم الشهيد مهنّد حلبي.

وأقدمت سلطات الاحتلال على هدم منزل عائلة الشهيد مهنّد في الضفة الغربية.

كما استشهد الشاب فادي علون من قرية العيساوية برصاص الاحتلال في القدس وبدم بارد.

كما اعتقلت قوات الاحتلال والد الشهيد علون وعمّه، وداهمت منزل العائلة وضرب جنود الاحتلال النساء المتواجدات في المنزل بواسطة الهراوات وصعقات الكهرباء، مع تدمير محتويات المنزل، بعدما عاثت فيه فساداً وصادرت أجهزة خلوية.

في غضون ذلك، تواصل سلطات الاحتلال عبر كافة وسائلها من ألوية عسكرية وشرطة ومخابرات تنفيذ عملية أمنية واسعة في الضفة الغربية بحثاً عن منفّذي عملية قتل ضابط في هيئة الأركان يُدعى ايتام هانكين وزوجته نعمة، في منطقة بيت فوريك - قرب مستوطنة ايتمار - شمال الضفة الغربية.

وفي تطوّر لافت منع عناصر من «قوات الأمن الوطني الفلسطيني» جنود الاحتلال الإسرائيلي من الدخول إلى المنطقة الشرقية من حيّ سطح مرحبا - شرق مدينة البيرة، وأمروهم بالخروج بعدما وجّه العناصر سلاحهم باتجاه جنود الاحتلال الذين اقتحموا المكان لملاحقة فتية ألقوا الحجارة على برج عسكري موجود في محيط مستوطنة «بساغوت».