مع الطلعة الجوية الأولى التي نفذها الطيران الروسي ضد الإرهابيين بناء لطلب سوري شرعي، بدأت التداعيات والمفاعيل والصور ترتسم في الأفق الدولي وتسارع الاصطفاف الدولي بالظهور راسما حقيقة المشهد وحقيقة العدوان على سورية وحقيقة الجبهة الدفاعية التي تواجهه وبالتالي لم يعد صعبا اليوم القول بان العالم انقسم وضوحا الى مجموعات استراتيجية متمايزة لكل منها أهدافها واستراتيجيتها ربطا بتلك الأهداف.

لقد أكد هذا الاصطفاف المتنامي ان حالة التفرد والأحادية القطبية وامتلاك الغرب بقيادة أميركية لقرار العالم هي حالة ولت الى غير رجعة لتحل مكانها وضعية دولية جديدة يسعى الأطراف فيها الى إقامة التوزان في العلاقات الدولية بين المجموعات المتشكلة مع تفاوت بالأهداف والنهج والاستراتيجية.

فالمجموعة الغربية الأطلسية ومعها أدوات إقليمية عربية وإسلامية تدعي بانها صاحبة الحق في قيادة العالم وأنها وصية على هذا العالم ولها ان تحدد لكل طرف دولي حجمه ودوره وسلوكه متجاوزة في ذلك القانون الدولي وما ينص عليه من مبادئ احترام السيادة الوطنية والقرار المستقل للغير. وبهذا التصور الخاطئ شنت اميركا الحرب تلو الحرب منذ ان تفكك الاتحاد السوفياتي فدمرت وقتلت وفتت وهجرت، كل ذلك مع ادعاء بانها تمارس حقا الهيا اعطي لها لقيادة العالم.

وبذات هذا المنطق المنحرف عن الحق والحقيقة شنت هذه المجموعة عدوانها على سورية وحشدت له أكثر من 160 ألف مسلح صنفتهم بين منظمة إرهابية ومعارضة مسلحة معتدلة ومعارضة سورية ورعت الجميع ونسقت ادوارهم من اجل اسقاط سورية، كما انها وبكل وقاحة جاهرت برفضها للحكومة السورية الشرعية وأعطت لنفسها الحق بان تمنح الشرعية او تسقطها عن هذا او ذاك ممن يتولون امر الحكم فيها.

في المقابل كانت سورية ومعها محور المقاومة في موقع الدفاع عن النفس، فواجهت وتصدت وصمدت ومنعت العدوان من تحقيق اهدافه الرئيسية الاستراتيجية الكبرى فحالت دون حسم المعتدي للأمر في الميدان عبر ارهابيه.

هنا سارعت اميركا التي خافت على مشروع العدوان من السقوط، فابتدعت تحالفا يدخلها الى الميدان مباشرة تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وادعت ان هذه الحرب على الإرهاب تستلزم عشر سنوات على الأقل، وفي عملية تزوير وخداع موصوف أقدمت مجموعة العدوان على تشكيل هذا التحالف الذي زعمت انه من اجل محاربة الإرهاب، ولكنه في الحقيقة لم يكن سوى جسر تعتمده المجموعة العدوانية للحضور المباشر في الميدان.

نعم لم يكن التحالف الدولي الذي انشأته اميركا تحت عنوان "الحرب على داعش “، لم يكن لمواجهة الإرهاب بل كان في الحقيقة من اجل تمكين الإرهابيين من إدارة حرب استنزاف طويلة ضد سورية ومحور المقاومة كله بعد العجز عن اسقاطها. وبمراجعة بسيطة لما قام به التحالف المزيف خلال 14 شهرا نجد انه لم يفعل شيئا مؤثر ضد داعش لا بل مكنها من التمدد الواسع وساهم في رسم صورة اسطورية لها كادت ان تجعلها كيان عسكري خارق لا يقوى على مواجهته أحد.

في المقابل كانت سورية ومحور المقاومة تزداد يوما بعد يوم إصرارا على الدفاع ومنع العدوان من تحقيق أي من أهدافه الاستراتيجية الأساسية، فكان هذا الصمود الاسطوري الذي أذهل العالم، ثم كانت المفاجأة لتي صدمت مجموعة العدوان، مفاجأة تمثلت باستجابة ​روسيا​ السريعة والفعالة لطلب سوري بمساعدة العسكرية في مواجهة الإرهاب الذي ان تمكن من سورية وحقق اغراضه فيها سيتمدد الى روسيا ويتابع اجرامه على أراضيها. ومع دخول القوات الجوية الروسية الى السماء السورية وبدء القصف وملاحقة الإرهابيين بدأت أوراق الخداع تسقط وتنكشف عورات المعتدين، اذ في مقارنة بسيطة بين وضعية الطيران الروسي وطيران التحالف الدولي نجد:

1) روسيا تعمل وفقا للقانون الدولي وتحترم سيادة سورية وشرعية الحكم فيها والقرار المستقل للشعب السوري، بينما نجد دخول طيران التحالف الى سورية تم دونما طلب او ترخيص او اذن او تنسيق مع حكومتها ودونما تكليف من مجلس الامن، ما يشكل انتهاكا للسيادة الوطنية السورية وتجاوزا للشعب السوري وللقانون الدولي فهو بكل بساطة عدوان موصوف.

2) الطيران الروسي يعمل وفقا لخطة عسكرية علمية مبرمجة، وينفذ أهدافه بشكل يرفع من فعالية غارته وتأثيرها على الإرهابيين حيث انه يركز على منظومة القيادة والسيطرة للإرهابيين، وعلى منظومة الإدارة واللوجستية لهم، وعلى شبكة الانتقال والاتصال بين مراكزهم، وهو يستعد في المرحلة الثانية لتقديم الاسناد الجوي الفعال للقوات البرية للجيش العربي السوري ليساعده في تطهير الأرض السورية من الإرهابيين واستعادتها الى كنف الامن الوطني السوري.

في المقابل نجد ان طيران التحالف لم يستهدف خلال ال 14 شهرا من عمله في سورية والعراق أي من الأهداف التي تؤثر على الإرهابيين ولم يمنعهم من التمدد، وهو يرفض التنسيق مع الجيش العربي السوري رغم ان اميركا تعلم ان لا قيمة للغارات الجوية ان لم تستثمر بريا، وبالتالي فان كل ما قام به طيران التحالف لا يعدو كونه عملا استعراضيا فولكلوريا اعتمد من اجل التخدير لتمكين داعش والإرهابيين من التوسع في العراق وسورية تحقيقا للأهداف الأميركية.

ان فشل اميركا وتحالفها بالحاق الهزيمة بداعش كما تصرح، لم يكن نتيجة عجز او جهل، بل لان اميركا أصلا لا تريد محاربة الإرهابيين لأنها تستثمر بالإرهاب وتتخذه جسر عبور الى أهدافها.

ان هذا التباين بين عمل طيران التحالف وطيران روسيا جعل الأخير يحقق في ضرباته الجوية نتائج باهرة سيكون لها تداعيات على أكثر من صعيد كالتالي:

أ‌. تغيير في الوضعية الميدانية للجماعات المسلحة الإرهابية المنتشرة في سورية بعد استهداف منظومات القيادة والسيطرة والإدارة واللوجستية والاتصال والانتقال لديها، ما سيدفعها الى خسارة فرص الهجوم والتحول الى مواقع دفاعية متقوقعة او التقهقر باتجاه الحدود التركية او الانسحاب من الميدان كليا اما بتسليم النفس للدولة السورية (سلم نفسه خلال ال 48 سنة الأولى 700 مسلح) والتخلي عن السلاح والعودة الى المنزل.

ب‌. تسهيل عمل الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة في البر من اجل تطهير الأرض السورية من الإرهابيين واستعادة السيطرة على المناطق التي دخلوها.

ت‌. سقوط أحلام واوهام راودت جبهة العدوان حيال سورية، وتحول بعض المصطلحات التي كانت تتداول الى عبارات تثير السخرية بعد ما أصبحت في ذمة التاريخ، كالوهم التركي بممرات امنة والمنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي، كما والوهم السعودي بان يكون للمملكة يد قوية في سورية تحرك الاحداث في محيط دمشق عبر تعيين رئيس دمية بيدها، او الوهم الأميركي الغربي الصهيوني بتفكيك محور المقاومة او تفكيك سورية.

ث‌. تشكل ميداني لمجموعة دولية استراتيجية مؤهلة لتحقيق التوازن في العلاقات الدولية مجموعة بإمكانها فرض نفسها دونما خشية او خوف، وهنا يجب التوقف مليا عند الصلابة السورية والموقف الروسي والإصرار الإيراني والتحرك الصيني والتلويح العراقي بإمكانية طلب المساعدة العسكرية من روسيا.

ج‌. افتضاح زيف التحالف الأميركي الدولي الذي يزعم انه يقاتل داعش، وان في قول الجنرال الخبير العسكري الأميركي دلالة واضحة على قناعة هؤلاء بأنهم فشلوا وافتضحوا.