لم يعد سراً ان "تيار المستقبل" يعاني من ازمة على صعيد الهرميّة المتبعة، وصلت الى مرحلة اشبه بـ"الانشقاق" خرجت اكثر من مرة الى العلن دون ان تقضي على الهيكلية الموجودة... حتى الساعة.

في الشكل، لا يزال رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ هو الناطق الرسمي باسم التيار في المسائل السياسية وهو الذي يبتّ بالامور المتعلقة بالقرارات التي يتخذها، ولكن في المضمون هناك "بلبلة" داخل تياره بفضل بعض الصقور غير الراضين عن سياسته وابرزهم رئيس "​كتلة المستقبل​" النيابية فؤاد السنيورة.

لم يكن السنيورة يتوقع يوماً ان يكون تحت الاضواء مباشرة، فقد كان دوماً في ظل رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​ ولم يخرج من هذا الظل الا بعد عملية الاغتيال، حينها وجد الفرصة سانحة للبروز، واخذ يتسلق السلم شيئاً فشيئاً فوصل الى رئاسة الحكومة ونسج شبكة علاقات اقليمية ودولية بقي يستثمر فيها حتى اليوم.

حالياً، يتردد في الاوساط المحلية وحتى المستقبلية، كلام كثير عن الدور المتنامي الذي يلعبه السنيورة والذي يحجب من خلاله صورة الحريري الابن، مستغلاً تعدد التيارات داخل التيار. ولا شك ان القلق يعتري الحريري، لان السنيورة من الناحية السياسية اكثر خبرة منه، كما ان اتصالاته مع السعودية اكثر من قوية فيما لا يزال الحريري يجهد لترميم العلاقة مع القيادة الحالية. وعلى الساحة الشعبية، يتمتع السنيورة بقاعدة يمكنه الانطلاق منها بسهولة نحو زيادتها، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة.

ولعل الموقف الاخير للسنيورة الذي اطلقه خلال جولة ميدانية في صيدا، اعطى دليلاً جديداً على حق الحريري في القلق والتخوف. فبعد ان شن السنيورة حملة على "حزب الله" للدفاع عن "تيار المستقبل"، شدد على اهمية الاستمرار في الحوار معه، وهو كان من ابرز المنتقدين له في السر، كما انه اطلق موقفاً آخر يتعلق بترقيات الضباط اراد من خلاله نفي اي تهمة الصقت به بافشال التسوية التي تم التوصل اليها، كما اظهار انه يربطها بوجوب تفعيل عمل الحكومة، اي انه المدافع عن المؤسسات وعملها وعن الموقع الاول للطائفة السنية في لبنان.

هذا الموقف من شأنه ان يضع رئيس "كتلة المستقبل" في موقع متقدم سياسياً وشعبياً لدى مؤيدي "التيار الازرق"، فهو اظهر انه يمكن ان يكون رجل حوار دون ان يتخلى عن كونه من الصقور في الوقت نفسه. هذا الامر يعزز موقف السنيورة الصلب في ظل الموقف المتضعضع للحريري، ولكن...

ليس من السهل ان يتم اغلاق بيت الحريري في السياسة، فقيمته المعنوية تمنع اياً كان من تحمل مسؤولية اغلاقه، انما في حال حصل ما لم يكن في الجسبان، فإن السنيورة سيكون الخيار الرقم واحد. واذا كان من غير الممكن انهاء دور الحريري من الوجهة السياسية، فإن انهاءه يصبح ممكناً من الناحية المالية، اذ وسط الضائقة المالية التي يعاني منها "تيار المستقبل"، وفي حال اوقفت السعودية تمويلها للحريري (وليس لتيار المستقبل)، فقد نشهد عندها صعود نجم السنيورة تحت مسمى "انقاذ تيار المستقبل" الذي اسسه رفيق الحريري وعدم التفريط به، والابقاء على تيار الاعتدال في مقابل المتطرفين وحمل لواء مواجهة الامتداد الشيعي في لبنان.

من هنا، يجب ترقب ما ستسفر عنه اوضاع "تيار المستقبل" المالية لانها ستعكس صورة مستقبلية واضحة لما ستكون عليه هيكلية التيار في الفترة المقبلة، وقد يتعلق عليها ايضاً مستقبل الحريري السياسي الذي اعتاد جمهور تياره على غيابه وعدم تواجده في لبنان، وهو امر يشكل سابقة لان غياب رئيس حزب او تيار عن التواجد في البلد لفترة طويلة جداً من الزمن، ليس امراً صحياً، وادارة التيار او الحزب من الخارج لا تقنع القاعدة الشعبية، فهل يقطع السنيورة للحريري تذكرة "وان واي" الى خارج الحياة السياسية؟