هي… هي فلسطين كلما حاولت أزمات تغييبها عادت من جديد لتفرض نفسها، أنها قضيتنا الأولى وبوصلتنا التي لا نحيد عنها أبداً. فهل ما يحدث فيها الآن من مخاض يشي بولادة انتفاضة ثالثة؟

وما قد يكون أول شرارة قد تشعل الأوضاع هو ما بدأه الاحتلال بتطبيق خطته الرامية لتقسيم المسجد الأقصى المبارك زمانياً ومكانياً، وهو الأمر الذي لا يحتاج إلى قرار سياسي لتحريك الشارع ليبقى السؤال متى يدير شعبنا دفته نحو القبلة الأولى؟ وهل ستلحق الأحزاب القومية واليسارية والإسلامية بركب هذه الانتفاضة الوشيكة؟

للحديث عن روحنا الفلسطينية شجون، ولأثرها في وعينا عمق ربما لا يضاهيه أي أثر آخر. فهي لطالما شكلت برمزيتها ووقائعها تاريخاً يكاد يكون مسؤولاً عن صياغة الواقع القومي، السوري والعربي، برمّته، وقد ارتبطت أحداثها بشجاعة المقاومة والعزم المتواصل على تحرير الأرض، لكنها ارتبطت كذلك بالهزيمة والانقسام والتبعية.

في الحديث عن تاريخ هذه القضية، ثمة مرحلة مهمة لم تحظَ بالقدر الذي تستحقه من الدراسة والبحث، وهي الانتفاضتان الأولى والثانية التي تبنى الفلسطينيون خلالها نضالاً من نوع مختلف حقق لهم خلال ثمانية عشر شهراً فقط ما لم تحقّقه عقود طويلة من الكفاح المسلح.

ما وصلنا إليه منذ الانتفاضة الأولى حتى بداية ولادة الانتفاضة الثالثة، كان مشهد أطفالنا وهم يواجهون جنود العدو وآلاته الفتاكة بملحمية لا توصف، لكن خلف هؤلاء الفتية كانت عمليات المقاومة تتفاعل مع حملات العصيان المدني والمسيرات ومقاطعة البضائع قد بدأت تتحول إلى أداة رئيسة في النضال، وهو ما سيشكّل جوهر ولادة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.

أعادت العمليات البطولية للشباب الفلسطيني، وردّ العدوان على منفّذيها أمس، زمام المبادرة بعد أن كانت الدفّة تُدار دائماً من الخارج بمعزل عنه، وجمعت إرادة عشرات الآلاف من الرجال والنساء من مختلف الفئات والأعمار تم تأطيرهم في لجان شعبية نسّقها حراك الشباب الفلسطيني اليوم الذي يمّهد لحالة فريدة من التحرر الذاتي وإنكار وجود الاحتلال وهدم التبعية له من قبل القيادات الفلسطينية والعربية تدريجياً، ولعلّ قيادات آل سعود هي آخر ماركة عمالة وخيانة بين تلك «القيادات».

قصة فلسطين ليست قصة بضع سنوات من الأمل، بل تخلّلت قرناً من الهزيمة والخيانة والتبعية، وقد تبدو أحداثها من عالم آخر إذا ما نظرنا إلى درجة التنظيم والعمل الجماعي ووحدة الصف بين الفلسطينيين، لكنها قصة حقيقية، ومن الضروري تعيين مواضع القوة ومواضع الضعف، وأخذ العبرة من مواضع الضعف فيها.

ليست الانتفاضة الثالثة شعاراً نظرياً، بقدر ما هي ضرورة حيوية.