بائس هذا "اللبنان" الذي يمتطي نواب امته ظهور الشاشات ليتمرجلوا على بعضهم ويزايدون على اللبنانيين بحجم ولائهم لزعيمهم. ومن دون ان "تطق عروق" زياد اسود ونبيل نقولا وحكمت ديب، كل اللبنانيين شبه متأكدين ان "التيار الوطني الحر" لم يكن مشاركاً في السلطة على الاقل لـ15 عاماً ولم يكن فاعلاً في حكوماتها الا بعد العام 2008، وان معظم المشاريع واقتراحات القوانين التي طرحها نواب تكتل "التغيير والاصلاح" ووزراؤه على لجان مجلس النواب وهيئته العامة لم تمر او مررت لتلاقيها مع مصالح ورغبات بعض او كل الباقي من اهل السلطة. وكذلك الحال امام مجلس الوزراء حيث عانى كل من وزراء "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة والمياه من مشاكل الكهرباء التي تكهرب الجو بالسياسة والنكايات ولا تكهربه بالكهرباء- الطاقة المطلوبة لتسيير امور وحياة الناس. ومن "الابراء المستحيل" الى الامراض السرطانية التي خلفها الفساد المستمر منذ العام 1992 وحتى اليوم في كثير من مرافق لبنان العامة والخاصة، الى ما نشهده اليوم من نكايات وإقصاء وتشهير في السياسة والاعلام بين اهل السياسة بحق بعضهم البعض، يتوجب على اللبنانيين ان يتوقفوا قليلاً ليلتقطوا انفاسهم والتفكير ملياً في ما يجري حولهم من تكاذب وتراشق.

لا يختلف اثنان ايضاً ان غالبية مطالب الحراك الشعبي والمدني هي محقة وتلامس وجع كل الشرائح المعذبة والمقهورة والمسحوقة في المجتمع اللبناني، لكنها لم تتلمس حتى الآن طريقها الى التنفيذ او الى وضع خريطة طريق واضحة لسلوكها نحو تحقيق المطالب ايضاً.

من جهته، استنفار محمد قباني وجمال الجراح لا يعفي تيار المستقبل من مسؤوليته في كل ملفات الفساد والافساد. ولا تكفي الشتائم المتبادلة والنعوت غير اللائقة لتبييض الصفحات او الصراخ و"ترويع الخصم" وترهيبه لاسكاته.

الاجدى في نواب "التيار الوطني الحر" الذي يخوض معركة اثبات وجود سياسية، ان لا يتورطوا في سجال، او يورطوا انفسهم في "استعراض شوارعي" امام الشاشات والرأي العام اللبناني، كي يؤكدوا انهم اصحاب حق. وان خلافهم مع قباني ورفاقه في التيار الازرق هو محصلة لكل الاحتكاكات التي حصلت بين التيار البرتقالي والتيار الازرق في اكثر من ملف، من الرئاسة في اول جلسة باريسية بين الشيخ سعد والعماد عون الى آخر جلسة سادها العتاب بين الوزيرجبران باسيل ونادر الحريري.

انتهت جلسة الاشغال امس من دون مساءلة وزير الطاقة ولا وزير المالية وبقي السجال بين وزير المالية والرابية مفتوحاً حتى يتم احتواؤه. وسيبقى فتيل الصدام مرشحاً للإشتعال كلما بقي تيار "المستقبل" مصراً على تجاهل مطالب "التيار الوطني" ويحاول كسره في كل مرافق الدولة من الحكومة الى مجلس النواب الى اصغر تفصيل في الدولة اللبنانية.

جلسة اليوم الحوارية هي إختبار نوايا ايضاً مع محاولة راعي الحوار الرئيس نبيه بري ان يلعب دور "الاطفائي" لتهدئة الخواطر بين "التيار الوطني" و"المستقبل" بعد ان هدأها ليلة امس بين "حزب الله" و"المستقبل" وبين النائبين محمد رعد وفؤاد السنيورة.

واذا كان بري قد اعلن صراحة التلويح بالعودة الى "فضيلة الصوم" عن السياسة في زمن الكفر والعهر والافلاس السياسي، وطي صفحة الحوار اذا ما شعر انه سيراوح مكانه ومحاولة لتقطيع الوقت، فإن راعي الطاولة يدرك قبل غيره صعوبة الاتيان بحلول كبيرة لملفات الرئاسة وقانون الانتخاب. وفي الاولى بات هناك شبه تسليم ان الحل لم يعد الى يد اللبنانيين وسيبقى خارج متناول ايديهم، اذ وصلت درجة النكاية وكسر الخصوم لدرجة عدم القبول من طرفي الصراع بأي شخصية توافقية. وهذا يعني بقاء الاستحقاق الرئاسي والحلول الكبرى معلقة على رهانات التبدلات الدولية في المنطقة.

وامام عون المتضرر الاكبر من الحصار الذي يقوم به "المستقبل" وحلفاؤه ومن ورائهم السعودية عليه، تضيق الخيارات لتصبح معركة لجنة الاشغال الاستعراضية مجرد تنفيس عن الغضب والاحتقان من تيار "ازرق" لا يعترف به شريكا ويحمله مسؤولية ما اقترفه هو بنفسه ويحيل كل ما يطالب به عون الى شغف بالسلطة والرئاسة. اليس عودة المستقبل الى السلطة ايضاً كانت مطلباً ملحاً بعد اسقاط الحريري وحكومته بالضربة البرتقالية القاضية من الرابية؟

الخيارات الضيقة التي فرضتها دقة ظروف لبنان ومحيطه الملتهب لا تعني بقاء عون متفرجاً، فربما قلب الطاولة في السياسة رغم كلفته العالية اسلم بكثير من استعراض وصراخ وجر النواب انفسهم الى فخ قباني ورفاقه. فلماذا تبقى حكومة لا تعمل وتعيّن شواغرالدولة والعسكر ومجلس نواب لا يشرّع ولا يجتمع؟