فرض الأوان الاستراتيجي المرتبط بمجموعة من التقاطعات والأسباب توقيت الشراكة الحقيقية بين روسيا وسورية وإيران، الشريك في النظرة وفي الرؤية الاستراتيجية والميدان والأهداف. فالوجود الإيراني في سورية هو استشاري، وقد يكون هناك بعض قوات النخبة الإيرانية في كلّ المناطق الميدانية التي تقتضي ذلك.

قد تكون المنطقة على عتبة مرحلة جديدة بعد الاتفاق النووي الإيراني والتدخل العسكري الروسي في سورية، ما تعني إعادة تموضع جديد وتحوّل في موازين القوى، مع اتفاق دمشق وموسكو وطهران على اللحظة المفصلية لخطوة تدرس منذ زمن طويل، على ضوء الإمعان الغربي في التصادم مع روسيا في أوكرانيا ومستحقاتها، والعمل في الآونة الأخيرة على خط لنقل الغاز الخليجي عبر الأردن ــــــ سورية ــــــ تركيا، الأمر الذي يشكل تحدياً لخط الأنابيب الروسي، وخيبة الأمل الروسية من المفاوضات مع السعودية بعدما اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إقامة تحالف إقليمي لمحاربة الإرهاب يضمّ السعودية وسورية وتركيا وايران، وعلى هذا الأساس زار رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك السعودية والتقى ولي ولي العهد محمد بن سلمان، واتخاذ موسكو موقفاً إيجابياً حيال الرياض، فهي لم تبادر إلى اتخاذ موقف سلبي واستخدام حق النقض ضدّ مشروع القرار اليمني في مجلس الأمن على قاعدة أنّ هناك رهاناً روسياً على إعطاء السعودية في اليمن مقابل الأخذ في سورية، لكن تبيّن أنّ المملكة تريد أن تأخذ في دمشق وأنها تمارس سياسة تقطيع الوقت والتذاكي على المبادرة الروسية.

جرى التحضير للتدخل الروسي في سورية منذ أشهر طويلة، وكان حزب الله الشريك الرئيس في هذه المحادثات التي بدأت في الأساس في موسكو بزيارات متتالية لمبعوثين إيرانيين من أعلى المستويات في المرجعية الدينية تبعتها زيارتان للقائد العسكري لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في إيران الجنرال قاسم سليماني وأكثر من زيارة للواء المملوك ومدير الإدارة العامة للمخابرات السورية اللواء ديب زيتونة ونائب رئيس الأركان السوري الى موسكو. كلها زيارات صبّت في الإطار التحضيري وفي إطار قراءة مستفيضة للواقع الميداني السوري من ناحية الاستراتيجية العسكرية والتقنية واللوجستية.

فبعد أن تم الاتفاق على كلّ هذه العناوين وقراءة الميدان والخواصر الرخوة الموجودة، بدأ الروس بتنفيذ المرحلة الأولى بالتعاون مع الجيش السوري، حيث بدأوا يحشدون الأساطيل الجوية وينشرون الطائرات المقاتلة من بينها قاذفات قنابل ومطاردات سوخوي في مطار تمّ تحويله قاعدة عسكرية قرب اللاذقية غرب البلاد. وفي الوقت نفسه كانت تتمّ عملية تحضير القوات البرية من الجيش السوري الذي يتولى وحزب الله تحرير الأرض تحت غطاء النار الجوية الروسية.

إنّ الخطوة التالية للضربات الجوية الروسية الحالية هي بدء الدمج بين الفعل الميداني على الأرض والفعل الجوي الروسي، هذه المرحلة من المنتظر أن تبدأ بعد إشباع الأهداف التي يتمّ استهدافها في المرحلة الأولى وتحقيق النتائج المرجوة، عبر تشتيت المسلحين وضرب قواعدهم الخلفية وبنيانهم وغرف التحكم والسيطرة على قواعدهم العسكرية وإرهاقهم في مناطق التماس مع الجيش السوري وتوسيع المساحات بين المواقع الأمامية وخطوط إمدادهم، فبعد أن تتحقق كلّ هذه الأهداف تبدأ المرحلة التي سيتمّ فيها استهداف مجموعة معينة من المناطق غير المحكومة بجغرافيا محدّدة أو بخطوط حمراء والتي ستحوي مفاجآت ضخمة غير متوقعة من حيث الأهداف والتي سيكون لها وقع الصدمة على كلّ الصف المعادي لسورية في المعركة الحالية.

تعمّد الروس في الميدان إرسال مجموعة من الإشارات ترهب الخصوم الإقليميين والدوليين. تمثلت بعبور الطائرات الروسية الأجواء التركية شمال جسر الشغور وقصفها من هناك جبل الزاوية وتحصينات "جبهة النصرة"، وتركيز القصف على "جيش الفتح" في ريفي حماه وحلب، وقصف ما يسمى "الجيش الحرّ" في ريف حمص الشمالي في الرستن وتلبيسة والزعفراني، وتهديدها "إسرائيل" التي كانت طائراتها تحلّق فوق قبرص لتصوير مرفأ اللاذقية وما تنزله القوات الروسية من بضائع وأسلحة، باتخاذ طائرات سوخوي 36 وضعية القتال، فروسيا تريد تأمين المدى الحيوي لعملياتها العسكرية ضدّ الإرهابيين وترسيم الخطوط الحمراء، والتأسيس نفسياً ومعنوياً واستراتيجياً لتدحرج المراحل المقبلة.

في المقابل، الغرب مصدوم من الضربات الروسية وليس لديه رؤية جاهزة للتعاطي مع الموقف الروسي المستجدّ، ويعاني من مأزق، وعليه إما التكيّف مع الواقع الروسي الجديد في سورية، كما بدأت فرنسا التي دعا وزير خارجيتها لوران فابيوس إلى تركيز الضربات الجوية الروسية في سورية على تنظيم داعش والجماعات الإرهابية، ومن بينها جبهة النصرة، أو الذهاب باتجاه خيار جنون التصدي لروسيا وتعزيز قدرات المجموعات المنضوية حتى لواء المعارضة المعتدلة لاستنزاف موسكو.

لكن في الوقت الذي يفتقد فيه المعسكر الغربي الانسجام بين مكوّناته يبدو المعسكر المقابل على درجة عالية من الانسجام (روسيا، إيران، سورية، العراق وحزب الله). فالروس ماضون حتى النهاية في مكافحة المجموعات التكفيرية إلى أن يأخذ الطرف الآخر موقفاً بالموافقة على المفاوضات لتسوية سياسية يكون أساسها الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد.