وقعت أمس على نص تاريخي للراحلة الكبيرة مي المرّ... فقرأته لاخلص منه الى معلومات مهمة مازالت هذه السيدة الإستثنائية تزوّدنا بها حتى بعد سنوات على رحيلها.

وفي تقديري، وانطلاقاً من معرفتي الشخصية بها، أنها مظلومة كثيراً على الصعيد الوطني. إذ يفترض بوزارتي الثقافة والتربية الوطنية أن تتوفّرا على التراث الضخم الذي تركته مي المرّ للإستفادة منه في المناهج التعليمية الثانوية والجامعية والعليا، ولتعميم إنتاجها على المكتبات العامّة، ولإقامة مكتبة عامة بإسمها احياء لهذا الإبداع عميم الفائدة.

عرفت مي المرّ للمرة الأولى يوم شرفتني بزيارة الى مكتبي في مجلة الأسبوع العربي، واسعة الإنتشار يومذاك، التي كنت أرأس تحريرها. ثم توطدت بيننا أواصر الصداقة والإحترام المتبادل إثر صدور جريدة «الجمهورية» في العام 1958.

وأود أن أشهد، وللّه الشهادة، أنّ مي المرّ كانت مجموعة من السيدات في سيدة واحدة. وكانت، في تقديري، وزارة ثقافة تقف على قدمي إمرأة.

عالمة آثار كانت مي المرّ،

ومؤرّخة،

وباحثة،

وأديبة كبيرة نثراً وشعراً، في اللغة الفصحى وايضاً في «اللغة اللبنانية».

وكانت على شمولية ثقافة قلّما توافرت إلاّ لندرة من الناس.

وكانت جريئة الى أبعد حدود الجرأة، تسمي الأشياء بأسمائها... وخصوصاً عندما يكون الكلام على لبنان وتاريخه... فلم تساوم، ولم تتردّد، ولم تجبن... وهي التي كانت تتهم الحكّام والمسؤولين بالجبن.

وقصائدها (في الفصحى) التي زوّدتني بها لتنشر في «الجمهورية» في حينه كانت تشي بتلك الصفات والمواهب كلها، وبالذات بالصدق. ولقد قلت لها ذات يوم: لو تجسّد الصدق إنساناً لكنت أنت الصدق. فقالت: أحببت ما قلت، ولكنني لا أعتبر في هذه الصفة ما يميّزني لأنه يفترض بالناس جميعاً أن يكونوا صادقين. وختمت: الصدق هو القاعدة، أما الرياء والنفاق والكذب فما هي إلاّ الإستثناء فالشواذ.

وبالرغم مما كانت تملك من لطف وأناقة كلام وعفة لسان والتهذيب والرقي، فإنها كانت كحدّ السيف، في الموقف المبدئي، وكانت سيدة الإيمان الحقيقي بالله وبلبنان.

ولو شئت أن أختصر مسارها الوطني (ولا تفوتني المواقف الناقدة وتلك المتحاملة عليها) لقلت إن مي المرّ كانت «لبنانية و ... بس».