أكد المدير العام للآثار والمتاحف السورية، مأمون عبد الكريم انه "منذ نحو 4 أسابيع عندما تم تدمير "معبد بل"، وردتنا الى دمشق معلومات من الأهالي ومن مجموعة كبيرة من الشهادات المحلية، تؤكد انه كانت هناك آليات تقوم بأعمال حفر حول قوس النصر الأثري في تدمر الذي يعود الى القرن الثاني ميلادي، وبوضع متفجرات تحت القوس وأعمدته. وتأكدنا أول من أمس، من خمسة مصادر محلية تقاطعت معلوماتها، ان التفجير حصل يوم الأحد الفائت".

وتوقع عبد الكريم ان ينتهي "إجرام هذه العصابات مع تدمير 10 مدافن برجية من ضمنها الثلاثة الأجمل، بالاضافة الى معبدي بل وبعلشمين، وتمثال أسد اللات في حديقة المتحف الذي يزن 15 طناً. لكننا صدمنا بما حصل. لقد حولوا المتحف سجنا ومحكمة شرعية، وأعطوا عصابات الآثار رخصاً للتنقيب في الموقع، وبدأوا الآن تدمير المباني المدنية. وهذا ليس فعلا ايديولوجيا بل فعلا انتقاميا ممنهجا من هذه العصابات لمحو المدينة عن بكرة أبيها. وكل الخوف ان نفقد تدمر بعد أشهر قليلة".

وشرح عبد الكريم انه "عند تسلمي مهماتي منذ 3 سنوات كمدير عام للآثار، كلفت بوضع خطة عمل لإنقاذ المقتنيات السورية، وهذا ما فعلته بمقتنيات تدمر، وكان شرطي للقبول إغلاق المتاحف وإخفاء القطع الاثرية، وهذا ما فعلته"، مشيراً الى انه "ومنذ صيف العام 2012 عندما كان الوضع مأسوياً، أغلقنا المتاحف، وأخفينا القطع الاثرية في اماكن آمنة. وحين سقطت إدلب واصبحت هذه الاماكن تحت سيطرة المسلحين، نقلنا ما تبقى من القطع الاثرية الى اماكن آمنة في دمشق".

وكشف عبد الكريم ان "أكثر من 30 الف قطعة نقلت من دير الزور، وتمت في عموم سوريا حماية 300 الف قطعة اثرية، وتصوير 200 الف قطعة من جديد قبل نقلها الى اماكن آمنة وتوثيقها. هذا التراث الانساني هو ملك جميع السوريين والانسانية جمعاء، وعلى العالم حمايته".

وابدى عبد الكريم "خوفه الكبير على حلب، فهي تشبه اليوم مدينة من مدن الحرب العالمية الثانية، واذا بقيت على ما هي عليه ستكون أسوأ من تدمر اكثر من 150 مبنى تاريخياً متضرراً فيها، مئات من البيوت القديمة التراثية التي تعود الى مئة ومئتي عام تعرضت للتدمير بمستويات مختلفة، آلاف المحال التجارية في الاسواق القديمة فيها احترقت. وخائف ايضا من تدمير ما تبقى من تدمر مستقبلاً، خائف على مصير حلب اذا استمرت فيها الاشتباكات، وعلى المواقع الاثرية الموجودة في دير الزور تحت رحمة "داعش" وعصابات الآثار ومن استخدام "البولدوزر" وتعرضها للتدمير الممنهج"، ذاكراً انه "في ادلب مخابئنا تحت رحمة المسلحين، يوجد دور قوي للمجتمع المحلي في ادلب مستنهض معنا، وموظفو مديرية الآثار العاملين هناك يقومون بعملهم وبكل الوسائل في سبيل تحييد المخابىء والمستودعات والمتحف عن الصراع القائم هناك".

وعن القطع التي تهرب من سوريا وتباع في الاسواق العالمية، أكد عبد الكريم أنها "اصلية وتهرب من مواقعها. ولبنان هو الدولة الوحيدة التي ساعدتنا على استعادة قطعنا الاثرية المهربة. اما تركيا والاردن واسرائيل ودول الجوار الاخرى فلم تفعل شيئا وحدودها مفتوحة، وهناك نهب للمواقع الاثرية، احيانا لا يجدون شيئا لكنهم يدمرون الموقع كونه اثريا. استعادت الشرطة والجمارك السورية خلال الازمة 5600 قطعة اثرية من مختلف الاحجام والانواع، قد تكون خرزة صغيرة او مسكوكة او تمثالاً او فسيفساء، قبل ان تخرج من سوريا، وتبين ان نحو 35بالمئة منها لم تكن اصلية. لكن يوجد قطع اثرية اصلية تنهب خصوصا في منطقة الفرات، هناك جرح ونزيف هائل خصوصا في موقع "دورا اوروبوس" وهو من امهات المواقع في سوريا، وفي عشرات المواقع في وادي الفرات التي تتعرض الى تدمير ممنهج، وتذهب القطع الى دول الجوار ومنها الى الاسواق العالمية".

وعما يمكن ان يفعل العالم والاونيسكو لتدمر، اعتبر عبد الكريم أن هناك حلين فقط، اما ان تبقى تدمر على ما هي عليه ونبكي وتتهدم مبنى تلو الآخر حتى الربيع المقبل، فتكون قبل مضي سنة على احتلالها شبه مدمرة بالكامل وحل بها أسوأ من زلزال، واما ان يحصل تحرك عسكري ميداني للجيش السوري، لانها تقع على عاتقه. واذا ارادت فصائل المعارضة التي تؤمن بالتراث والوطن وبالعيش المشترك ان تشارك في عملية التحرير والدفاع عن تدمر فلم لا، وبمؤازرة جهود دولية داعمة من خلال ضرب خلفيات مجموعات داعش في الرقة وغيرها، سيكون هناك بعض الاضرار، ولكن افضل من ان تبقى تدمر على ما هي عليه حاليا، والا ستدمر نهائيا"ً.