مع طي صفحة قائد فوج المغاوير شامل روكز في البزة العسكرية، تُطوى أحلام ارتبطت بالرجل الذي أراده محبوه أن يكون L’Homme Nouveau، فيما يراد له أن يكون مجرد ضابط متقاعد إضافي يطمح بأن يكون وزير دفاع في حال شغور موقع سمير مقبل يوما ما

في النوستالجيا الشيوعية، يوصف بـ L›Homme Nouveau، القائد المنتظر الذي ينتمي إلى سلالة تتجاوز قدراتها الجسدية والفكرية الطاقة البشرية. في دعاية الحزب الديمقراطي الأميركي، مثّل الرئيس باراك أوباما هذا الـ Homme Nouveau. ويبدو هذا «الرجل الجديد» أقرب، في نظر مريديه، إلى هرقل الامبراطورية البيزنطية أو شمشون العهد القديم. لا توجد معركة إلا وشارك فيها، ولا خاض معركة إلا وانتصر. يعبر القارات ركضاً ويداوي نفسه بنفسه عبر التمارين الشاقة لإخراج السمّ من جسده. وهو، دائماً وأبداً، خجول يتجنب الحديث عن نفسه ويهرب من المديح وينفر من رائحة الجبن. في الحالة العونية كان قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز هو الـ L›Homme Nouveau. لم يقدم روكز طرحاً اقتصادياً «يفش خلق» المواطنين، ولم يوح بأن لديه حلولاً سحرية، أو انه يتمتع بـ»الشعطة» التي أوصلت ضباطاً كثراً في العالم إلى القيادة.

لم يسع إلى استقطاب الناشطين الأساسيين في التيار الوطني الحر لتكوين نفوذ خاص به، ولم يظهر أي مبالاة بكل النقاشات في شأن النظام الداخليّ للتيار. ورغم حرص روكز على إبقاء الدائرة المحيطة به مقفلة، اتسعت ــــ إحباطاً تلو آخر ــــ دائرة التعويل عليه. من لا يزالون يراهنون على أن «الجيش هو الحل» صاروا يقولون على مواقع التواصل الاجتماعي إن #الحل_شامل. وكل من استصعبوا الاندماج في البنية التنظيمية للتيار يعتقدون بأن الوزير جبران باسيل رئيس مرحلة انتقالية ترعى التسلم والتسليم بين العماد والعميد. ينظر هؤلاء إلى روكز بوصفه الزعيم القادر على مزاحمة رئيس حزب القوات سمير جعجع في السنوات العشرين المقبلة. ماضيه العسكري يسمح له بمزاحمة جعجع في استقطاب الشباب، وخبرته التنظيمية والمؤسساتية تتيح كسر الاحتكار الجعجعيّ للتنظيم مسيحياً. وإلى جانب صورته كضابط متأهب لقتال التكفيريين ولا يحب التسويات، ركزت الإضاءة على عدم اهتمامه برجال المال والأعمال الذين يحكمون غالبية الأحزاب. إلا أن جميع التحليلات كانت تعتبر قيادة الجيش محطة أساسية في مسيرته نحو الزعامة الشعبية.

التوافق السياسي

ينتج ميشال سليمان آخر لا ميشال عون

في التيار لا مكان لروكز في حال تقاعده اليوم. رئيس الحزب الجديد يملك اليوم الشرعية الحزبية أولاً، المال ورجال الأعمال ثانياً، ويحظى بتأييد مطلق من الهيكلية الحزبية القائمة (المنسقين وغالبية المسؤولين) ثالثاً. أما نفوذ روكز داخل الحزب فيقتصر على إعجاب مئات الناشطين ممن لا يحتلون مواقع حساسة في الحزب به، وغالبية هؤلاء لا يعرفونه عن قرب. أما خارج التيار فالحديث عن تشكيل حزب جديد هو مجرد مزحة، لأن الحزب الجدي يعني مشروعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتنظيماً ومحازبين ومكاتب حزبية ومصاريف وخدمات وإعلاماً أولاً، وتحالفات محلية وعلاقات إقليمية ثانياً. وكذلك لأن البيئة الحاضنة لروكز هي الحالة العونية التي لن يرضى روكز أو غيره بأن يتسرب المحازبون منها نحو الحزب «الروكزيّ».

عليه لا يبقى أمام العميد سوى خيارين:

الأول ترشحه إلى الانتخابات النيابية مستقبلاً إلى جانب الوزير جبران باسيل عن مقعدي البترون (باسيل يترشح عن المدينة، وروكز عن تنورين) ليغدو في حال فوزه واحداً من 128 نائباً يلاحق قضايا منطقته الخدماتية وينتظر «النظام» للتحدث في مجلس النواب مرتدياً بزّة رسمية في صورة أبعد ما تكون عن تلك المتخيلة عنه. والثاني تسميته من قبل العماد عون وزيراً للفوز بحقيبة الوزير سمير مقبل أو غيرها بعد موافقة تيار المستقبل والحزب التقدمي وحركة أمل. في النتيجة، ستتمخض الزعامة الشعبية المأمولة لتلد وزيراً أو نائباً إضافياً.

من كانوا يقولون لروكز إن التمديد الأول لقائد الجيش العماد جان قهوجي ليست نهاية عالمه السياسي، عادوا وقالوا له إن التمديد الثاني ليس نهاية العالم أيضاً، وهم يقولون له اليوم إن تطيير التعيينات الأمنية والإطاحة بآلية عمل مجلس النواب وإحالته على التقاعد ليست نهاية العالم. يمكنه أن يحلم بحقيبة وزارية أو مقعد نيابي، لكن المطلوب أن يهدأ حتى يتحقق هذا الحلم. وفي حال عدم تعيينه وزيراً في أول حكومة تشكل (ربما بعد بضع سنوات) لن تكون نهاية العالم أيضاً، إذ يمكن أن يعين في الحكومة اللاحقة. علماً أن روكز مرشح جدي إلى قيادة الجيش ويحظى بتأييد الرأي العام لاستحقاقه القيادة بعد مسيرته العسكرية الحافلة، أما تسميته وزيراً فلا يمكن تبريرها بأي شيء سوى مصاهرته للعماد ميشال عون.

الأهم من كل ما سبق أن حجم التضامن مع روكز كان ضخماً قبل شهرين بحكم التعبئة العونية وشعور كثيرين إن بوسعهم إيقاف ما يحصل. إلا أن الاحتقان العونيّ تم تنفيسه. لم يعد أحد يسأل عن مصير قائد فوج المغاوير سوى قلة من الغيورين. ففي وقت كان روكز يوضب أغراضه، حولت الأنظار عن قضيته باتجاه آلية مجلس الوزراء، فقانون الانتخابات النيابية، وأخيراً الانتخابات الرئاسية. قالت قيادة التيار على نحو واضح إن قضية روكز مهمة، لكن هناك ما هو أهم، ووافقتها أكثرية عونية شعبية تسلم بطي صفحة روكز في المؤسسة العسكرية. أما فتح روكز لصفحة جديدة في حياته، سواء سياسية أو حزبية، فهو أمر صعب جداً. لم يكتب لـ L›Homme Nouveau أن يبصر النور، ولم يسع هو جدياً لذلك. علماً أن «الرجل الجديد» مفهوم ثوري لا يمكن أن يكون نتيجة تسوية سياسية. توافق القوى السياسية ينتج ميشال سليمان آخر أو جان قهوجي في أفضل الأحوال... لا ميشال عون جديداً.