ذكرت مصادر مطلعة لـ"الاخبار" إن وزير الزراعة أكرم شهيب، أوعز إلى مكاتب الوزارة ومصالحها بإجراء التحضيرات اللازمة لتوزيع 320 ألف شريحة من مبيد "أبيفار" على مربي النحل، المكوّن من مادة "أميتراز" التي منعها الوزير الحاج حسن قبل 4 سنوات بتوصية من ديوان المحاسبة، لأنها تترك ترسبات سامّة في العسل وتنعكس على صحة المستهلك، وقد سبق ذلك بيومين، كتاب يطلب من المكاتب والمصالح الاستعداد لتوزيع أكثر من 32 ألف شريحة من المبيد المذكور المخزّن في مستودعات وزارة الزراعة.

وذكرت ان وزارة الزارعة اصرّت على استعمال مبيد أبيفار، رغم تعدّد الآراء العلمية حول مضار هذا المبيد وترسباته السامة في العسل. وقد استند شهيب إلى مؤتمره الصحافي الذي عقد أول من أمس مع لجنة من مربي النحل في لبنان للمطالبة باستعمال هذا المبيد، مشيدين به وبفعاليته. لكن لماذا تُرك الأمر بيد النحالين لمعرفة الضرّر الذي يمكن أن تتركه مادة أميتراز على النحل وعلى إنتاجها من العسل وضررها على المستهلك؟

في الواقع، يقول رئيس جمعية المستهلك زهير برو، إن المعلومات العلمية المعروفة عن مادة الأميتراز، أنها مادة سامة تؤدي إلى قتل النحل (بعض الدراسات الأوروبية تشير إلى أن استعمال الأميتراز يؤدي إلى تسارع دقات قلب النحلة وبطء عملها قبل وفاتها)، وهي تترك ترسبات مثلها مثل أي مبيدات زراعية كيمائية. ويشير إلى ضرورة ضبط ومراقبة استعمال هذه المبيدات "لا بل من الأفضل منعها. المشكلة أن مستوردي المبيدات يشجّعون على الاستهلاك وهم يسوّقون المبيدات وفق منطق استهلاكي بحث يقوم على بيع أكبر عدد ممكن وتحقيق أكبر ربح متاح".

ويؤكد برّو أن الأثر السلبي الذي يتركه الأميتراز نوعان: الأول مباشر ويتعلق بالكمية المستعملة التي قد تكون كبيرة ومباشرة فتؤدي إلى تسمم فوري. أما الثاني فيتعلق بالشق التراكمي على فترات الاستعمال الطويلة، فهي تؤدي إلى ضرب خلايا الدماغ، وقد تبيّن لنا أن هناك أعداداً كبيرة من المزارعين تموت بسبب المبيدات ويصيبهم مرض باركنسون أيضاً. وتؤدي ترسبات المبيدات إلى حالات عقم أيضاً، وأخطر الانعكسات هي تلك التي يتحدّث عنها الاتحاد الأوروبي، أي الأمراض السرطانية المنتشرة في لبنان، وتبيّن أنها زادت خلال السنوات الأخيرة بأكثر من 35%. استيراد المبيدات واستعمالها هو من المداخل التي تجب مراقبتها وضبطها.

إذاً، هذه هي المشكلة الفعلية. فبحسب الأستاذ الجامعي المتخصص في النحل، عبد الله طرابلسي، إن مادة الأميتراز سامة وخطرة على الإنسان وتسبب سرطانات، مشيراً إلى وجود "نسب عالمية ومحلية مسموح بتركّزها في المنتجات المحلية، وهذا الأمر يتعلق بطريقة استعمال المبيد. هناك بعض النحّالين يرشون النحل بمادة الأميتراز المخفّفة، فيما يعمد آخرون إلى استعمال الشرائح الموزّعة عليهم في الوقت الذي تقوم فيه النحلة بجمع الرحيق وصناعة العسل، وهو ما يؤدي إلى ترك ترسبات من المبيد المستعمل في العسل... لو استعملت هذه المبيدات كما يجب، لا وفق المنطق الاستهلاكي لمافيات الشركات كان يمكن تفادي نسب التركّز المرتفعة، لكن ما يحصل في مجال استيراد المبيدات يتعلق حصراً بقوّة الشركات وهيمنتها".

ولفتت الى الى ان إصرار شهيب على استعمال هذا المبيد، يأتي رغم أن الغرفة المختصة في ديوان المحاسبة كانت قد أوصت في عام 2011 بمنع استعمال المبيدات المكوّنة من مادة الأميتراز، نظراً إلى أثرها السلبي في النحل وفي العسل، فضلاً عن انعكاسات هذا التأثير على الاستهلاك البشري وعلى تصدير العسل إلى الدول الأوروبية. وفي نهاية عام 2014 أجرت الوزارة مناقصة رفضتها الغرفة المختصة في ديوان المحاسبة، فاضطرت الوزارة إلى الاستعانة بالسلطة السياسية لتخطّي قرار الديون، فعُرض الملف على مجلس الوزراء وأقرّت الصفقة. لكن المناقصة الأخيرة استحصلت على موافقة الغرفة المناوبة في ديوان المحاسبة خلال العطلة القضائية، لا بل إن وزارة الزراعة تخلّت عن مناقصة ثانية تتعلق بشراء دواء بيولوجي لمكافحة عنكبوت الفارواز وحصرت شراء مبيدات مكافحة الفارواز بالـ"أميتراز".